شَعْبٌ في زنزانة
لا ريب أنّ جو بايدن، الرئيس الأميركي رقم 47، قد أقمر ليله الدجوجي وبلغ أرذل العُمْر، وقد سخر منه ترامب وقلّد حركاته وسكناته غير مرّة، واضطرت الإدارة الأميركية لتوكيل موظّف به، يلمُّ كبرته ويستر عورته، من غير الحرس الرئاسي، ويدلّه على الاتجاهات، وينجده في ساعة العسرة، وقد آن له أن يترجّل، لكنّ الولاية حلوة الرضاع ومُرّة الفطام.
ربما يئس بايدن من فوزه وتخلّى عن فكرة الترشّح لدورة جديدة، لذا يلقي بثقله كلّه على نجاح الحرب الإسرائيلية على غزّة، وقد تراجع أيضاً عن ورقته في مفاوضات تبادل الأسرى. الحاصل أنّهم يستدلّون على خَرَفِه بأقوال له وتصرّفات، نحو خلطه بين اليمين واليسار، وبين الرئيس السيسي والرئيس المكسيكي، وبين رفح وحيفا "وهبي"، وهو يمشي مثل رجل آلي أو مثل فورست كامب في طفولته. لكنّ جورج بوش، في شبابه، لم يكن أقلّ خرفاً منه، ونتذكّر أنّه كان يخلط بين الأبواب، لكنّه كان يحتال على نسيانه أو جهله بالأسماء فيبدل بها الصفات بقوله: "ذلك الرئيس ذو الشارب السميك"، وأزعم أنّ العقل الأميركي عقل مركزي، أبيض وأسود، ولاء وبراء (بلغة الفقه)، الغرور خَرَف، والغطرسة هرف.
يمكن أن نذكر فيلم "كامب أشعة راي" (حبذا لو كان اسم الفيلم قصّة إيما وأمير، على معهود قصص الحبّ مثل: روميو وجولييت وقيس وليلى) مثالاً على خَرَفِ العمى والغطرسة، ودوام الجهل، فالسينما الأميركية نمطيّة مثل الهندية البوليوودية، غير أنّها تستبدل الأغاني الاستعراضية بالعراك والملاكمات.
يروي فيلم "الأشعة" قصّة أميركيةٍ بيضاءَ تقضي خدمتها العسكرية في مُعتقل أشعة إكس في "غوانتانامو" (في أجهزة الأشعة ترى الناس أطيافاً بلا ملامح وبلا علامات). واجبها العسكري المقدّس هو منع المُعْتَقَلين من الانتحار، والمسلمون قلّما ينتحرون، والمُعتقَل، على سوئه، أفضل من المعتقلات العربية المعاصرة، فليس فيه تشبيح وتعليق ودولاب وبساط ريح. تَعْطِفُ على أحد المُعتقَلين، صفته معتقل وليس سجيناً، حتى لا تصير له حقوق معاهدة جنيف، والأميركيون ماهرون في تحريف الكلام عن مواضعه، فالزنزانة اسمها "وحدة"، والهندي الذي أُبيد عرقه اسمه "الأميركي الأول"، وما يجري في غزّة ليس إبادة، وضحاياها خسائر جانبية، لكنّ صنّاع الفيلم والسياسة مصابون بالخرف أو هم يقومون بعملهم على وجهه الذي لم يتغير منذ قرن.
الفيلم خرفان، يروي قصّة مُتخيّلة لحبّ من طرف واحد. مُجنَّدةٌ اسمها إيما تعطف على مُعتقَل اسمه أمير (لهجته فارسية، وممثل الدور إيراني) بعد خصومة، لم يكن بين مُعتقَلي غوانتانامو إيرانيون، لكن يبدو أنّ صنّاع الفيلم لا يريدون إغضاب الحلفاء الإماراتيين والسعوديين. أمير غاضب دوماً، شتّام، سبّاب (فكّرت مرّة في أن أعد المرّات التي يشتم فيها الأميركي في الفيلم الواحد). تقترح إيما الحلوة عليه أن يُرَوّح عن نفسه بقراءة القرآن، فيقول غاضباً، بعد أن يلوّثها بالقذارة (الشيت)، إنّه قرأه كثيراً، ويريد أن يقرأ الجزء السادس من "هاري بوتر"، الذي تبخل به إدارة السجن عليه. المُعتقَلون شرسون، غاضبون، يرفضون الطعام، وتحقنه الإدارة بالخراطيم عبر الأنوف حرصاً على حيواتهم، كما تفعل الطائرات الأميركية بإلقاء الوجبات بالطائرات على غزّة. المعتقلون يُصلّون جماعة، فثوابها أكبر من صلاة الفذّ، وأداء الصلاة لا يشبه الصلاة التي نعرفها، التي تنقلها وسائل الإعلام العالمية من مكّة أو من القدس، والأذان مُنْكَرُ الصوت. لم تتطوّر صورة العربي أو المسلم في السينما الأميركية منذ بدء الخليقة السينمائيّة (!)
لا يَكفُّ عاشق "هاري بوتر" عن التحرّش بالمجنّدة الشقراء، لكنّها تقع فيه حبّه، شفقة به، فتدمع عيناها بعد أن ترى صوره وهو مدمى من التعذيب في مصنّفه وسجلّاته في المعتقل، يهددها مرّة مُخرجاً نصلاً من بين دفّتي مصحف (المصحف مصدر الإرهاب في الفيلم) بأن يقتل نفسَه، لكنّها تمدّ يدها له، فيرعوي ويكفّ ويبكي، ويُسلّمها النصل. تنتهي خدمتها، ويفاجأ بأنّها أوصَتْ له بالجزء السادس من "هاري بوتر"، بعد رحيلها، فيجلس سعيداً في "الخلية" ليقضي نهمته منها.
ألقت الطائرات بعشرات الآلاف من وجبات حسنة التغليف وكثيرة العلب، وبألعاب أطفال، وبوجبات من المطّاط، قَتَلَ بعضها المُغاثين، لكن لم يكن فيها عوازل جنسية أو علكة تصريف الغضب أو روايات هاري بوتر.