شيعة السفارة ونعمة الطائفية
بداية أقول: إن وقوف فريق من أبناء المذهب الشيعي في وجه حسن نصر الله، وشقهم عصا الطاعة على حزبه، هو شأن، أو تصرُّفٌ، أو نهجٌ لبناني، أكثر مما هو سوري. إخوتنا اللبنانيون لديهم تراث يستحق التقدير من ممارسة الحرية السياسية، والحرية الاجتماعية، تقابلُه، لدينا نحن السوريين، جبالٌ شامخات من الكبت، والخوف، والكراهية.
على سبيل المثال: في سنة 2006، وَقَّعَ مثقفون سوريون ولبنانيون بياناً سياسياً، سلمياً، ورقياً، غير مسلح، أسموه "بيان دمشق- بيروت"، نصوا فيه على أن الشعبين، اللبناني والسوري، شقيقان، رفيقان، متحابان، متضامنان، لا علاقة لهما بما يشتغل عليه أو يخطط له حكامُ البلدين.
بعد صدور البيان، لم يقل أحدٌ من الحكام اللبنانيين للموقعين على ذلك البيان: ما أحلى الكحل في أعينكم! وأما الموقعون السوريون فقد شُحِطُوا، بكل ما تعنيه كلمة "شُحِطُوا"، من بيوتهم، مع اللطم، والركل، والرفس في المؤخرات، والبصاق في الوجوه، والسباب على الزوجات والشقيقات والأمهات، وسيقَ كلٌّ منهم إلى أقرب فرع مخابرات، وهنالك أهينوا، وذُلُّوا، ثم طُردوا، مع الاحتفاظ بميشيل كيلو مدة طويلة. وبعد أيام قليلة، أصدر رئيسُ مجلس الوزراء، الدكتور محمد ناجي عطري (أبو منير)، فرماناً يقضي بتسريحهم تعسفياً؛ لأسبابَ تمسُّ النزاهة! أتبعه بتعميم على جهات القطاع الخاص بعدم تشغيل هؤلاء المجرمين في منشآته. وقد حدث، بالفعل، أن عُيِّنَ أحدُهم، وهو طبيب باختصاص نادر، في جامعةٍ خاصة، فسُيِّرَتْ دوريةُ مخابرات مؤللة نحو مكتب عميد الجامعة، والدورية أبلغت العميد بضرورة طرد هذا الخاسئ الموقع على البيان، فنفذ الأمرَ صاغراً.
قادنا حظُّنا العاثر، نحن أبناءَ هذا الجيل المخضرم، إلى معاصرة أكثر الحكام الديكتاتوريين العرب شراسة، وحقارة، ولؤماً، فتعلمنا من فصولهم ما تشيب لهوله الولدان، وحفظنا أساليبَهم في الأخذ والرد عن ظهر قلب. والحكاية لا علاقة لها بقومية، أو دين، أو مذهب، فصدام حسين (السني)، حينما سئل عن عشرات الألوف من المعتقلين السياسيين العراقيين الذين يذوقون الأمَرَّيْن في معتقلاته؛ قال: ماكو عندنا معتقلين سياسيين، أكو شوية عملاء لأمريكا يلقون جزاءهم. وحافظ الأسد (العلوي) كان يصرح إن السجون السورية لا يوجد فيها سوى سجناء الحقوق الشخصية والحق العام. أما عبد الحليم خدام (السني) فقد أوضح للرفاق، في سنة 2001، على مدرج كلية الآداب في جامعة دمشق، أن الهدف الأساسي للمثقفين السوريين الموقعين على بيان المجتمع المدني هو تسليم سورية الحبيبة لقمة سائغة لربيبة الإمبريالية والصهيونية العالمية إسرائيل. وها هو السيد حسن نصر الله (الشيعي) الذي يؤكد، دائماً، على أنه جندي صغير في جيش مولاه الفقيه، يقولُ عن رافضي السير ضمن قطيعه إنهم عملاء للسفارة الأميركية.
رحب بعض الثوار السوريين (السنة) بهؤلاء المعارضين (الشيعة)، وصنعوا لهم هاشتاغاً يقول "كلنا- شيعة- السفارة"، بينما ارتاب آخرون منهم، وقالوا إنهم زهور قليلة لا تصنع ربيعاً، وشكك مغالون منهم بهذا التصرف، موضحينَ أن أبناء المذهب الشيعي، كما تقول المراجع السنية، يعتمد (التقية)، أي المراوغة في تصرفاتهم.
ولكن؛ ما يجب الإشارة إليه، والتأكيد عليه، أن هؤلاء المثقفين (الشيعة) لم ينشقوا عن جندي الفقيه في لبنان، حسن نصر الله، لأنهم، في الأساس، لم يكونوا معه. وليكن في معلومكم أن كل واحد منهم يحمل اسماً أكبر وأهم من اسم نصر الله نفسه. وبالتالي، ليس بينهم واحدٌ يقبل أن يكون ضمن قطيعه، مثلما يربأ أيُّ مثقف (سني) بنفسه أن ينضوي تحت راية البغدادي أو الجولاني، أو حتى أحمد حسون.