شوارع جنوب عسقلان

13 مايو 2023

إسرائيلي أمام منزل في عسقلان ضربه ضاروخ فلسطيني (11/5/2023/Getty)

+ الخط -

لم تعد المدن والشوارع الفارغة أموراً استثنائية لدى الإسرائيليين، بعد "سيف القدس" في مايو/ أيار 2021. تبدو منطقة جنوب عسقلان، في هذه الأيام مثلاً، كأنها مكانٌ مهجورٌ كأفلام نهاية العالم: إشارات مرور تومض بالضوء البرتقالي مع غياب الضوءين الأخضر والأحمر، سيارة شرطة تقف في منتصف الطريق، أوراق الشجر القليلة تتطاير على جوانب الطريق. كان ينقص أن يسير "زومبي" في وسط الشارع، ليكتمل المشهد. "القبّة الحديدية" غير قادرة على تلبية متطلبات الأمن الإسرائيلي، باعتراف جيش الاحتلال، و"مقلاع داود" الذي خُصص أصلاً للتصدّي لأي هجماتٍ صاروخيةٍ من جيوش دول على إسرائيل، تحوّل إلى خط دفاع في الاعتداء الجاري على قطاع غزّة.

يعني هذا كله أن المقاومة الفلسطينية تمكّنت من تطوير قدراتها العسكرية إلى الحدّ الذي لم يعد فيه أي رد "تقليدي" إسرائيلي ناجعاً معه، خصوصاً أنه جعل من فلسطين التاريخية ساحة حربٍ فعلية، يُمكن وصول الصواريخ إلى كل زاويةٍ فيها. وفي الواقع، يعدّ التطور العسكري الفلسطيني، الذي يتم في ظلّ حصار إسرائيلي مشدّد على قطاع غزة، أمراً مدهشاً. وتسمح هذه الخاصية، بمعزل عن التحوّلات السياسية، للفلسطينيين، في حال اتّحادهم داخلياً، من بناء قوة سياسية مستندة إلى قدرة عسكرية. وفي المقابل، هذه القوة معرّضة دوماً للتفكك والاضمحلال في حال استمرار الانقسام الداخلي، وأيضاً في حالة الاعتماد على جهةٍ إقليميةٍ ما، لأن هذه الجهة لن تبالي بأولوية فلسطينية، بقدر ما تُبدي أهميةً لأولوياتها الخاصة. في حسابات الدول، لا أحد يفضّل مصلحة الآخرين على نفسه. وكل من يدعم آخر إنما يدعمُه من أجل صالحه الخاص. ومتى انتفت تلك المصلحة انطفأ الدعم. ولا يقتصر الأمر على فلسطين فحسب، بل في كل قضيةٍ في حنايا الكوكب.

الإسرائيليون لم يعودوا في أمان. يدركون ذلك جيداً، ولا يخجلون من مناقشته علناً، سواء عبر المنابر الإعلامية، أو بالتقارير الأمنية المسموح لها بالنشر. ويدرك الوسط السياسي الإسرائيلي أن التظاهرات المعارضة لإصلاحات حكومة نتنياهو القضائية، تُهدّد "الوحدة الإسرائيلية" بعمق، من دون أن يعني ذلك زوال إسرائيل من الشرق الأوسط. هذا شأنٌ آخر.

وفي موازاة واقع إسرائيلي أضعف مما كان عليه في سنوات سابقة، أظهرت فصائل المقاومة الفلسطينية في غزّة نيةً بتفعيل دور "الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية" التي تضمّ 12 فصيلاً، بما يُشبه التخفيف من أهمية دور كل تنظيم من أجل التحالف الجماعي. الأهم هنا أن يكون مفهوم العمل الجماعي نقطة انطلاقٍ لواقع فلسطيني مختلف عن السابق، رغم أن بعض التباينات واسعة إلى الحدّ الذي يوحي باستحالة إرساء التفاهمات.

أين يُمكن توظيف هذه العناصر؟ بالنسبة إلى الفلسطينيين، يتجلّى الوضوح في صيغة وحدة وطنية قادرة على فرض رؤية فلسطينية موحّدة. في المقابل، لن يألو الإسرائيليون جهدهم في دراسة اعتياد الفلسطينيين على تهديد كل تجمّعاتهم. وبالطبع، لن يتأخّروا في تغيير عقلية الاعتداءات الحربية أو سنّ قوانين همايونية، من أجل فرض سطوتهم. لا يتحدّثون هنا عن "حلّ الدولتين" ولا عن "حلّ للشعب الفلسطيني"، بل عن كيفية إقفال الأجواء أمام الصواريخ الفلسطينية، وما هي الأموال التي ستُخصّص لذلك، وما هي الخطوات المفترض اتخاذها بحراً وبرّاً وجواً.

نقطة أخرى لا يمكن تجاهلها في الاعتداء الإسرائيلي على غزّة: رفض الإسرائيليين الوساطات من أجل التهدئة، في مؤشّر على علاقاتٍ متوترة بالحد الأدنى، بينهم وبين مصر والأردن على سبيل المثال. وهي محطّة أساسية ستفرض نفسها مستقبلاً في أي مشروع تهدئةٍ أو حل سياسي حتى. إذا كان نتنياهو يحاول رصّ الصفوف الإسرائيلية خلفه، فإنه سيظهر بمظهر "الأبطال" حالياً، غير أنه مع بقاء الشوارع فارغة، سيضطرّ إلى إفراغ مقرّ رئاسة الحكومة.من أغراضه

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".