شؤون أدبيّة وفنيّة سوريّة
نال نبأ موت الشاعر السوري ناصر بندق، تحت التعذيب، بعد عشر سنوات أمضاها في معتقلات النظام السوري، قليلاً من الاهتمام، بسبب حراك السويداء، إذ أعلن شقيقه الخبر، خلال مظاهرة عارمة، مصوّرة، في ساحة الكرامة. وأميل إلى الظنّ أن إحصاء الأشخاص الذين ماتوا بالطريقة ذاتها، ولم يدرِ بهم أحد، مستحيل، وأؤكّد أن خبر تصفية ناصر بندق، نفسه، سيُصبح مجرّد ذكرى عندما يمرّ عليه بعض الوقت، ويأتي خبر آخر يغطي عليه. يمكن القول إن جسم النظام، من جهة القتل، "لَبّيس"، تستطيع أن تنسب إليه مئات الجرائم والمجازر وأنت مرتاح الضمير، إنه شبيه بالمصفاة التي يكتظ سطحها بمئات الثقوب، ومن ثم، إضافة ثقب جديد إليها لا تُقدّم ولا تُؤخّر.
من هذا المنطلق، ناقشتُ، أنا محسوبكم، الإشاعة التي ملأت صفحات السوشيال ميديا، أخيراً، أن الفنان خالد تاجا مات تحت التعذيب في أحد الفروع الأمنية. وذكرتُ أن هناك الألوف من الأدلة الدامغة، الموثقة، على ضلوع نظام الأسد في الإجرام، وإقدامه على قتل كل مَن يعارضه من دون شفقة. فهل من الذكاء والفطنة أن نُلصق به جريمة لم يرتكبها؟ ولإزالة أي التباسٍ محتمل؛ أقول إن خالد تاجا فنان من طراز عالمي، وهو رجل محترم، وذو رأي مستقل، ولم يكن يسير في ركب نظام الأسد، ولكنه لم يعارضه، والنظام لم يعتقله، ولم يضيّق عليه في الشغل، بدليل أن أكثر الأدوار أهمية كانت تُسند إليه، ويقبض أعلى الأجور، وقد تُوفي في مركز الحسين للسرطان في عَمّان، وهو في الثالثة والسبعين من عمره.
توفّيت في دمشق، الثلاثاء الفائت، الفنانة ثناء دبسي، فرثاها وحزن عليها، فنّانون مؤيدون وحياديون ومعارضون. وهي فنانة قديرة، ذات حضور إنساني متميّز، وكانت، مع شقيقتها المخرجة ثراء، من أوائل اللواتي دخلن عالم التمثيل المسرحي في حلب، في الخمسينيات، أيام كان الواقع الاجتماعي يحول بين النساء والتمثيل، إلى درجة أن مخرجين كانوا يأتون بشابٍّ وسيم، ويُلبسونه ثياب امرأة، ليقدّم الدور النسائي. وقد برعت ثناء في تمثيل دور المرأة المتّزنة، المحبّة أسرتها، بدليل دوريْها المتميّزين في مسلسلي "الفصول الأربعة" الذي كتبته ريم حنا ودلع الرحبي وأخرجه الراحل حاتم علي، و"قوس قزح" الذي كتبه خالد خليفة وأخرجه هيثم حقي... وهذا يحيلنا إلى ذلك التعاون الفني الذي بدأ بين خليفة وحقّي، ابتداء من مسلسل "سيرة آل الجلالي"، سنة 2000، مروراً بمسلسل اليوميات "قوس قزح" الذي بدا وكأن أحداثه تدور في منزل سليم صبري وزوجته ثناء دبسي الحقيقي.
هنا نستطيع أن نتوقّف قليلاً عند الشخصية الفنية التي كانت للمخرج هيثم حقّي في ميدان الدراما السورية. شخصية محورية، ميالة إلى المغامرة الفنية، بدليل أن شخصية سليم صبري (ضاشوالي) لم تكن ذات شهرة، بل كانت شبه مُطفأة، وإذا بهيثم يعطيه بطولة مطلقة في مسلسل "خان الحرير"، من تأليف نهاد سيريس (1996)، وبعد ذلك لمع نجمُه، وصار يؤدّي الأدوار الرئيسية، كما في مسلسل "تلك الأيام" الذي أعددتُه، عن قصة لحسيب كيالي، وأخرجه رياض دياربكرلي سنة 2000.
ومن مآثر شخصية المخرج الكبير هيثم حقي، أنه كان ينصف الممثلين الذين أحالتهم الفورة الإنتاجية الكبرى التي ترافقت مع ظهور الفضائيات، أواسط التسعينيات، إلى زوايا النسيان، فكنّا نرى في كل مسلسلٍ جديد له ممثلين كان لهم، في يوم، حضور، وأهمية. ومما يروى عنه، أنه مازح أحد هؤلاء النجوم المًحالين على النسيان، قائلاً: سأعطيك دور أهم شخصية في المسلسل، شخصية المحافظ، تظهر من خلاله في سبع حلقات، فضحك الرجل، وقال له: ليتك أعطيتني دور حاجب المحافظ (الفرّاش) شريطة أن أظهر في ثلاثين حلقة!