سورية في المرمى الإسرائيلي

11 ديسمبر 2024

سفن حربية سورية دمّرها قصف إسرائيلي في اللاذقية (10/12/2024 فرانس برس)

+ الخط -

يشير اتساع مدى الغارات الإسرائيلية على سورية من شرقها وحتى غربها، وتواصل العدوان المباشر على مقدرات الجيش السوري، إلى فقدان سياسة دولة الاحتلال البوصلة على الأراضي السورية، وفشلها في تحقيق ما رمت إليه من مخطّطات عدوانية ضد الشعب السوري. ففي تبريرها هذا العدوان المتمادي، تدّعي إسرائيل أنها تدمّر الأسلحة السورية غير التقليدية التي تشكل خطراً على الإسرائيليين، خشية من وقوع هذه الأسلحة النوعية في أيدٍ غير أمينة، وغير موثوقة، في رسالة ماكرة توحي بأن الجيش السوري كان موضع ثقة بالنسبة للإسرائيليين، حيث لم يجرؤ في عشرات السنين على توجيه ضربة للجيش الإسرائيلي، وهذه التبريرات الواهية تفضحها الحقائق الميدانية، التي تتمثل في اتساع الغارات الإسرائيلية لتشمل كل مقدرات الجيش السوري، ومن ثم زيادة وتيرة القصف العنيف على كل مقدّرات سورية العسكرية، في إشارة واضحة إلى تخوف إسرائيلي جدي من سورية المستقبل، وبالتالي، عدم ثقة السياسة الإسرائيلية من استمرار حياة التعايش والتفاهم التي سادت 50 سنة على الحدود السورية. وفي ذلك العدوان إشارة فاضحة إلى الفشل الاستراتيجي الذي مُنيت به المخطّطات الإسرائيلية على أرض سورية، وهي تراهن على نشوب حرب أهلية في البلاد طويلة الأمد، تعطي الأمان للمجتمع الإسرائيلي، وتعفي جيش الاحتلال من مواجهات حقيقة.

لقد خسر الإسرائيليون الرهان بإطالة أمد الحرب الأهلية داخل سورية، حيث تمكّنت الثورة من حسم المعركة في أيام معدودات، وخسروا الرهان على اتساع رقعة المعارك في سورية، لتصير حرباً طائفية، تشارك فيها إيران، ويزج فيها حزب الله قدراته في معركة طائفية داخل سورية، ولكن الوعي الإيراني، أو الحذر الإيراني، حال دون التصادم بين الطوائف على أرض سورية، لتحسم المعركة سريعاً لصالح الثوار، وهذا ما يُقلق إسرائيل، ويزعج منامها. وهذا الحسم الميداني هو الذي فرض على إسرائيل إعادة حساباتها، والعمل المباشر على اقتلاع الخطر الذي يهدّد وجودها مبكّراً، فكانت الغارات العنيفة على الأرض السورية، وكان التمدّد في العدوان بمثابة رسالة استباقية للثورة السورية، بأن الجيش الإسرائيلي يقف لكم بالمرصاد.

وبحكم التجربة، لن تكتفي إسرائيل بشنّ الغارات، ولن تكتفي بتدمير مقدّرات الجيش السوري، بل ستسعى إسرائيل من خلال حلفائها على إجهاض أحلام الثورة السورية، وستعمل جاهدة على تنشيط خلايا مسلحة للقيام بتفجيرات داخل المدن السورية، وسيقترف الموساد الإسرائيلي كل الأفعال القذرة، لتقويض مخرجات الثورة السورية، ودقّ الأسافين بين مكونات المجتمع ورجال الثورة، بتقويض الاستقرار والأمن، ونشر الفتنة والفساد، ومن ثم حرمان المجتمع السوري من لقمة العيش الهانئة، ومن مقومات الازدهار. فأين هي الثورة السورية من هذه المخطّطات الإسرائيلية؟ وأين هم حلفاء الثورة من عرب ومسلمين في مواجهة هذه المخططات التخريبية؟

خسر الإسرائيليون الرهان بإطالة أمد الحرب الأهلية داخل سورية، حيث تمكّنت الثورة من حسم المعركة في أيام معدودات

رغم حداثة عهد الثورة، ورغم عدم بسط سيطرتها الأمنية على كل الأراضي السورية، ورغم الركام الاقتصادي والمجتمعي والحياتي الذي تركه نظام حافظ الأسد وابنه بشار، ورغم حالة عدم الثقة التي لم تترسخ داخل المجتمع، ورغم احتمالية وجود جهات تتعارض مصالحها مع انتصار الثورة، ورغم احتمال وجود طابور خامس داخل سورية، ووجود من له ارتباطات مع العدو الإسرائيلي، رغم كل تلك المعيقات، فأمام الثورة السورية طريقان لمواجهة المخططات الإسرائيلية.

أولاً، عدم الانجرار للاستفزازات الإسرائيلية، مع تأجيل الرد العسكري، والتراخي في ردة الفعل الميدانية، إلى حين ترتيب الوضع الداخلي، مع الأخذ بكل أسباب الحذر، وتأمين ما يمكن تأمينه من أسلحة ومعدّات تخص الجيش السوري بعيدة عن مرمى القصف الإسرائيلي، حتى يتم عبور هذه المرحلة الدقيقة والحساسة من تاريخ المنطقة ككل بسلام، ولهذه الطريق مخاطرها على الحالة النفسية للمجتمع السوري، ولها انعكاساتها على استقرار سوريا.

ثانياً، عدم التريث والانتظار، والبدء المبكر في عمليات المقاومة للاحتلال، ومواجهة العدوان من خلال تنشيط الأعمال الفدائية، والعمل على توريط الجيش الإسرائيلي داخل الأراضي السورية، وامتصاص قدراته، مع التركيز على عمليات نوعية مدروسة وحساسة، أقرب إلى تلك العمليات الفدائية التي نفذها تنظيم حزب الله في لبنان، عشية الاحتلال الإسرائيلي للأرضي اللبنانية سنة 1982. وأزعم أن هذا الطريق هو الأقرب إلى أيديولوجية الثورة، والأقرب إلى مزاج الشعب السوري، الذي ملّ الوهن والخنوع، فالمواجهة مع العدو الإسرائيلي هي الضامن لالتفاف الشعب خلف قيادة الثورة، على أمل النهوض بكل مقومات الصمود، وتعزيز القدرات من خلال المواجهات.

3763454C-747B-4CCA-A235-BC13D7519813
3763454C-747B-4CCA-A235-BC13D7519813
فايز أبو شمالة
كاتب وسياسي فلسطيني يقيم في قطاع غزة، عشر سنوات في السجون الإسرائيلية، دكتوراه في الأدب المقارن بين الشعر العربي والشعر العبري.
فايز أبو شمالة