سلام الشجعان ... نسخة 2023
عقدت جامعة الدول العربية اجتماعًا وصفته بأنه "رفيع المستوى" على وقع جنون الاعتداءات الإسرائيلية على القدس المحتلة والاجتياح المتكرّر للمدن الفلسطينية، مع تصاعد الدعوات إلى اليمين الصهيوني المتطرّف لاستئصال الوجود الفلسطيني على أرض فلسطين.
بإجماع المراقبين، لم تكن قضية فلسطين بالوضوح الذي هي عليه الآن، وخصوصًا مع إعلان اليمين الصهيوني الحاكم الآن أن هذه الأرض لا تقبل القسمة على شعبين، والمعنى أن السعي إلى تهويد كل فلسطين سيمضي على قدمٍ وساق.
في الاجتماع العربي من أجل القدس، قال عبد الفتاح السيسي موجهًا كلامه إلى الكيان الصهيوني "أقول لإسرائيل، حكومة وشعباً، لقد حان الوقت للاندماج بين شعوب المنطقة ... لنطو صفحة الألم من أجل الأجيال القادمة الفلسطينية والإسرائيلية".
لن أحدّثك عن الأجيال المصرية والعربية التي تم إعدامها ومحوها لكي نصل إلى اللحظة التي يدعو فيها حاخامات صهاينة الرب من أجل بقاء حكّام عرب فوق عروشهم، باعتبار ذلك من هدايا الرب لإسرائيل .. بل سأحدّثك عن نظرة المستعمرين الصهاينة إلى الشعوب المحيطة بكيانهم الاستيطاني، وهي النظرة التي يعبّر عنها سياسيون في الحكومة الإسرائيلية، من نوعية وزير الأمن إيتمار بن غفير، باللغة ذاتها التي يستعملها حاخاماتٌ، مثل حاخام مستوطنة صفد، شموئيل إلياهو، في تعليقه على الزلزال الذي ضرب سورية وتركيا، والذي يرى فيه أن هذا الزلزال عدلٌ إلهي، ويشبه إغراق فرعون وجنده، وأنه عقابٌ للشعوب التي تحيط بنا، وجاء لتنظيف العالم وجعله أفضل وعبرةً لكل الأشرار على مرّ التاريخ".
هذا الحاخام، كما يقول المترجم صالح النعامي عنه من كبار مرجعيات الإفتاء اليهودية في إسرائيل وعضو مجلس الحاخامية الكبرى، الذي يقود المؤسّسة الرسمية، وبالتالي، هو يجسّد صميم العقيدة الصهيونية فيما خصّ علاقتها بالإقليم، وهي العقيدة التي لا تتغيّر أبدًا، فنحن العرب أغيارٌ أشرارٌ لا بد من اجتثاثهم من فوق هذه الأرض، وهي بذلك الأساس الفكري لإنشاء الاحتلال الصهيوني، الذي هو كيانٌ إحلالي، يقوم على إبادة شعب من أرض لتأسيس دولةٍ أخرى بشعبٍ آخر، مستوردٌ من الأوهام والأساطير التاريخية، ومن العنصرية الاستعلائية الغربية التي قرّرت التخلص من مجموعاتٍ بشريةٍ تراها خطرًا عليها، بتوطينها في أراضٍ أخرى على حساب أمم أخرى.
قبل أن ينهي العرب اجتماعهم في مقرّ الجامعة بالقاهرة لتدارس الموقف من الاعتداءات الإسرائيلية، كانت إسرائيل ترد على ذلك، من خلال معاودة اقتحام مدينة جنين بالضفة الغربية، في رسالةٍ شديدة البلاغة إلى الشعب الفلسطيني وإلى النظام العربي الرسمي معًا تقول فيها: لكم لغو الكلام ولنا حسم الأفعال، وأن أقصى ما يمكن أن يحلم به الفلسطيني من النظام العربي هو بعض الرطانة الإنشائية التي تتسوّل من الاحتلال القبول بأن يحيا العرب معه فوق أرض العرب.
منذ سنوات، فرض الصهاينة معادلة اليمين الصهيوني المتطرّف: استئصال مشروع الإسلام السياسي، الذي هو المعبّر في هذه اللحظة عن المقاومة، مقابل دمج المشروع الصهيوني، وقد صاغت الوزيرة الإسرائيلية السابقة، تسيبي ليفني، هذه المعادلة بعد عدوان 2009 في حوار مع نيوزويك وواشنطن بوست، قالت فيه "لا أريد أن أحرج أيا كان، ولكني أعلم أنني أمثل مصالحهم أيضا. لم يعد الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني أو الصراع اليهودي - العربي، ولكنه صراع بين المعتدلين والمتطرّفين. هذه هي الطريقة التي تنقسم بها المنطقة حاليا".
وهكذا لا تمانع أنظمة عربية في الكفاح من أجل اندماج الاحتلال الإسرائيلي في شعوب المنطقة، ولا يتحمّل أن تتألم الأجيال القادمة من المستعمرين، ويسمي ذلك "سلام الشجعان" في وقتٍ تحارب فيه هذه الأنظمة من أجل اقتلاع قطاعاتٍ واسعةٍ من الشعوب العربية من جذورها وتهجيرها.