سعدي يوسف أم ضاحي خلفان؟

09 يونيو 2020
+ الخط -
ليس ذائعاً عن نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي، عضو المجلس التنفيذي في حكومة دبي، القائد السابق لشرطة دبي ثلاثة وثلاثين عاما، الرئيس السابق لاتحاد الإمارات لألعاب القوى، عضو مجلس الأوقاف والشؤون الإسلامية، الفريق ضاحي خلفان، أنه أيضا رئيس جمعية الإمارات لرعاية الموهوبين، وهي جمعية نفعٍ عام، من أهدافها تهيئة المناخ الملائم لتنمية قدراتهم وتفجير طاقاتهم الإبداعية. وللحق، هذه رئاسةٌ في محلّها، فالرجل صاحب موهبةٍ مشهودةٍ، نادرةٍ، طاقته فيها متفجّرة، وهي براعتُه في إضحاك الناس عليه. وفي زمن تشحّ فيه الفكاهة، وتتراكم فيها أسباب الكآبة، يصبح الضحك والهزل ضرورةً وحاجة. وتوفر إطلالةٌ يوميةٌ على تغريدات صاحبنا هذا جرعةً من انشراح النفس، وإنْ مع شيءٍ من التسامح مع السماجة، الظاهرة أحيانا، فيها (التغريدات)، وربما مع بعض الإشفاق على حال صاحبها، فيه كل هذه السفاهة، وقد ولّاه بلدُه مسؤوليةً في الأمن والأمان. ومن جديده أخيرا إشهارُه أنه سيزور إسرائيل، ودعوته الناس "خلّوا علاقتكم بإسرائيل زينة"، وكان في مرّة قد انتقد العرب لأنهم يستكثرون على إسرائيل دولةً، فيما لديهم اثنتان وعشرون دولة.
بكثيرٍ من الأسى، والحزن أيضا، يرى صاحب هذه الكلمات الشاعر العراقي، سعدي يوسف، صار صنوا للشرطي، خفيف القيمة، المسمّى أعلاه. منذ نحو عشر سنوات، تقرأ ما يقوله ويكتبُه فتصادف فيهما، وهو ثقيل القيمة شاعرا، أشياءَ من ضاحي خلفان، فتحارُ إن كنتَ ستضحك ولا تأخذُه على محمل الجدّ، أم تضحك مع تسامحٍ مع السماجة نفسها، ومع شيءٍ من الإشفاق على حال الرجل، وقد بات يدلّل على موهبةٍ فيه، لم نكن على معرفةٍ بها، نحن قرّاؤه منذ ما قبل قصائده الأقلّ صمتا، وزمن الأخضر بن يوسف، ووردة الثلج والقيروانية، وهي أنه يُضحكنا، بجدارةٍ، على نفسِه. وإلا فبماذا تُنعتُ المقابلة معه التي نشرتها صحيفة عكاظ السعودية، أخيرا، وجرت في "مهاتفةٍ مرئيةٍ على مدى ثلاثة أيام"، وطلب فيها من مُحاورِه أن يقول لمحمد بن سلمان إن "سعدي يوسف يحيّيك، ويقدّر لك إخراج شعبك من القمقم". .. لا طائل من تذكير الشاعر الذي كنّا نقرأ بعُسفٍ يلحق بأصحاب الرأي والدعاة والمثقفين السعوديين محبّي بلدهم، والمطالبين بمقادير من الإصلاح، ولا بتذكيره بأن كاتبا اسمُه جمال خاشقجي جرى له ما جرى. لا طائل من هذا، فصاحب "حانة القرد المفكّر" يرى، في المهاتفة المرئية مع "عكاظ" أن "المملكة خيرٌ من الجمهوريات العربية كلها". ويحتاج واحدُنا أن يضع أعصابه في ثلاجة، وهو يقرأ "الشيوعي الأخير" يقول هذا، ثم يرمي جبرا إبراهيم جبرا بأنه خدم الرجعية.
لقائلٍ أن يقول، محقّا ربما، إن في الاكتراث بسعدي يوسف مضيعةً للوقت، ذلك أن شخصا يجهر بأنه مدينٌ لمعمّر القذافي "برفعة الرأس وانتصاب القامة" لا يجوز بشأنه غير الإهمال، أو الضحك، أو التسلّي بأوجه المماثلة بينه وبين المغرّد ضاحي خلفان. ولكن، ماذا نصنع، نحن العاملون في الصحافة، وقد حازت تلك "المهاتفة المرئية" مع "عكاظ" مقروئيةً عاليةً بين جمهور "السوشيال ميديا"، وأشغلت تحايا سعدي يوسف فيها إلى محمد بن سلمان كثيرين. وصاحبُ هذا الكلمات لا يميل إلى تناسي شأنٍ كهذا، أو التعفّف عنه، فالقضية هنا، في جوهرها، لا تتعلق بسعدي وبن سلمان، وإنما بموضوعة مثقفين عرب، يساريين تعييناً (أو هكذا يصنّفون مقاعدهم)، كانت لهم، في زمنٍ راح، مواقعهم التقدّمية في النقاش العام، وفي الفضاء الثقافي العربي العريض، ثم صاروا، سيما مع موجة الربيع العربي الأولى، ركيكين إلى مدىً فادح. واحدٌ منهم سعدي يوسف، كتب، قبل ثماني سنوات، إن الربيع العربي معروفٌ تماما أن أمرا به صدر من دائرةٍ أميركيةٍ معينة، وكتب إن الشعوب العربية عميلة، بمعرفتها أو من دون معرفتها. وتاليا، أصابت الشاعر الكبير (86 عاما) أنفاسٌ عنصريةٌ وطائفيةٌ لم يكن متخيلا أن شخصا، بثقافته الحداثية المؤكّدة، يمكن أن يُصاب بها، لمّا جرَّح في السيدة عائشة، وشتم "إقليم قردستان"، ونعت أوباما بالزنجي المحرّر، وعيّر كولن باول بسواد بشرته. وها هو الآن تلقاه في سوق عكاظ الجديد يُعجبه محمد بن سلمان، فلا يذكّرنا بنفسه "تحت جدارية فائق حسن"، وإنما شبيها بشرطيٍٍّ يرأس جمعيةً لرعاية الموهوبين، اسمُه ضاحي خلفان.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.