ستعود من العلمين كما عادت من شرم الشيخ
ليست السلطة فقط هي التي ضجّت من القاهرة، وتركتها تواجه الظلام والحرائق والقيظ وحدها، وهربت إلى شواطئ منتجعاتها الجديدة في الساحل الشمالي، تلك المنتجعات ذات الأبراج العملاقة التي تخنق البحر، وتحجُبه عن عموم الشعب، والتي بُنَيت على حساب أجيالٍ قادمةٍ سوف تدفع وحدها الثمن الباهظ للاقتراض السفيه.
ما تُسمّى المعارضة، أيضًا، فرّت إلى شاطئ الساحل الشمالي، لكي تبحث وتناقش وتمحص وتتشاور بشأن جولة العبث السياسي التي تفرضها السلطة على الجميع كلّ أربع سنوات، وتطلق عليها "انتخابات رئاسية".
لا بأس في أن ترى أطيافٌ من هذه "المعارضة" أنّ العرض الرئاسي الجديد في 2023 يمكن أن يأتي مختلفًا عن سابقيْه في 2014 ثم 2018، ولن ينازعها أحدٌ في حقها في أن تعتقد أنّ تغيير الوجوه ومساحات الأدوار التي تلعبها يمكن أن يأتي بنتائج مغايرةٍ، على الرغم من أنّ النص الدرامي ذاته كما هو، والسيناريو أيضًا في جوهره ثابت، وإن اختلفت الأدوات الإخراجية. من حقّ أيّ شخص، أو مجموعة، أو شلّة أصدقاء، اعتباره الصواب.
أمّا، وأنّ هذه الوجوه قد أعلنت للرأي العام أنها اجتمعت وتناقشت وتداولت أمرًا ما يخصّ عموم الناس، فإنه يصبح من حقّ الجمهور أن يعبّر عن رأيه في المعروض عليه، رفضًا، أو موافقًة، أو تحفّظًا، أو توّجسًا، أو حتى سخريًة من المشهد كلّه، ذلك المشهد القادم من دولة الساحل الشمالي، بسلطتها وما تُسمّى معارضتها وضيوف هذه المعارضة الشمالية القادمين من الجنوب، حيث القاهرة بحرّها الشديد وزحامها والظلام الذي يلفها وأشجارها التي اجتثت وشوارعها التي تصحرت.
ليس الموضوع هنا أنّ تلك المعارضة كانت ترتدي "الشورت"، وتلتقط لنفسها صورًا تعبّر عن سعادتها بالمكان الفاره الذي دعاها إليه ملياردير شركات البترول الذي أنشأ حزبًا أسماه حزب المحافظين، وتحوّل فجأة إلى "قائد سياسي"، بتعبير أحد المتحدّثين باسم "الحركة المدنية" السيد مدحت الزاهد رئيس حزب "التحالف الشعبي" الاشتراكي...
الموضوع أنّنا بصدد خطابات متباينة صادرة عمّن شاركوا في اللقطة التي تُعطي انطباعًا بأنّ معركة انتخابات ملتهبة في الطريق، وهو تباينٌ منطقي تمامًا يشبه هذا الخليط العجيب من المحافظين، والاشتراكيين، والثوريين، والليبراليين، والرأسماليين، وحيتان زمن الخصخصة، والمناضلين ضد الرأسمالية والخصخصة.
يقول الناطق باسم الحركة المدنية إنّ اجتماع الساحل الشمالي كان جيّدًا وعميقًا، ولكن أغلب الحضور شخصيات سياسية عامة، وليسوا أعضاء في الحركة المدنية، التي، كما يضيف، لم تحدّد موقفها من انتخابات الرئاسة، سواء بالمشاركة أو بالمقاطعة.
بينما زفّت رئيسة حزب الدستور، جميلة إسماعيل، لجمهورها خبرًا سعيدًا مرفقًة به مجموعة صور للمعارضة الشاطئية، تحت عنوان "مبادرة فريق رئاسي للانتخابات الرئاسية المقبلة دعوة من المهندس أكمل قرطام رئيس حزب المحافظين لمناقشة مبادرته". فيما كتب المهندس يحيى حسين عبد الهادي توضيحًا على "فيسبوك"، "بخصوص الصورة التي نشرتها السيدة جميلة إسماعيل بِحُسْنِ نِيَّةٍ عن اللقاء الذي دعا إليه المهندس أكمل قرطام، وأثارت حفيظة البعض". ثم شرح بالقول "هي ليست اجتماعاتٍ سرّيةً ولكن من السذاجة أن يطالبنا البعض بالإعلان عنها طالما لم نصل لنتيجةٍ حاسمةٍ.. تكفينا الملاحقات الأمنية .. وقد لَبَّينا الدعوة للقاء دون أن نعرف تفاصيل المقترح.. وفي اللقاء طرح المهندس أكمل فكرته وكانت عن تشكيل فريقٍ رئاسي في الانتخابات القادمة.. وتباينت آراء الحضور بين رافضٍ للمشاركة في الانتخابات أصلا، وبين رافضٍ لفكرة الفريق الرئاسي، وبين قابلٍ لبعض تفاصيلها.. ولَم ينتهِ الحضور لبلورة اتفاقٍ وغادروا بعد توجيه الشكر لصاحب الاقتراح".
المؤكّد أنّ أحدًا لم يطالب بالإعلان عن اللقاء، ولم يعرف أنه انعقد من الأساس، لولا أنّ بعض حضور اللقاء الذي شدّوا الرحال إليه من دون معرفة تفاصيل المقترح، سارع بنشر نحو عشرين صورة للحضور والمكان المملوك لرجل الأعمال والقيادي السياسي وزعيم المحافظين، والذي لا يبعُد كثيرًا عن منتجع أهل السلطة في مدينة العلمين.
هذا الضجيج المصطنع حول ما جرى والتصريحات المتضاربة بشأنه يبقى جزءًا من محاولة إسباغ جدارة وأهمية على عرض هزلي تجري الاستعدادات له على قدمٍ وساق لافتتاحه نهاية هذه السنة، هو العرض الذي شاهده الجمهور ذاته مرّتين خلال عشر سنوات، واكتشف خواءه وضحالتهن وتشتغل ماكينات الدعاية له الآن بكلّ طاقتها.
يبقى من المشهد كلّه أنّ كلّ الأطراف ضجّت بالعاصمة ومشكلاتها، وصارت تمارس السياسة من منتجعاتٍ معزولةٍ عن الجماهير، تمامًا كما كان قبل ثورة يناير، حين هربت من بيتها وتاريخها واستقرّت هناك في شرم الشيخ، تركت البيت واستقرّت في الشاليه، هجرت السياسة واختارت أن تخلط السياسة بالسياحة.
وكما أعادتها ثورة يناير 2011 من منفاها الاختياري في شرم الشيخ، ستعود حتمًا من العلمين والساحل الشمالي، لتتصالح مع أهلها وتاريخها وعاصمتها التاريخية المنبوذة.