زهايمر فوق النيل

14 مايو 2015
+ الخط -
المثقفون العرب يشْكون من المركزية الأوروبية، لكن ثمة من يشكو من المركزية المصرية. وتزعم أكثر من دولة عربية أنها قلب العالم العربي، وأنا أيضا أعتقد، مغلوباً حماري، أنها مصر، لكن ليس إلى درجة أن تصير البقية الباقية زوائد دودية، كما هي في رأي كثير من النخبة المصرية، أو مجرد معجبين، أو أرض خام ومواد أولية. وكنت أستغرب أنّ أدباء مصريين معروفين لا يعرفون الأديب سليم بركات. المصريون مكتفون بفرعونيتهم وثقافتهم وفنهم، والأخبار العربية الأخرى نوع من السياحة والاستشراق. وقد استغربت، أشد الاستغراب، أن يستنجد عبدالفتاح السيسي بالحبيب الجفري لتجديد الإسلام، وعنده أحمد الطيب، بحر العلوم وشيخ الإسلام الثاني بعد أحمد بن تيمية، والعلامة إلهام شاهين الشريفة، والفهّامة فاطمة ناعوت الشريفة، والنّحرير إسلام البحيري. واستغربت أن يكلف السيسي (المهندس) محمد دحلان بملف سد النهضة، وعنده من ثعالب السياسة الخارجية، مثل سامح شكري وعمرو موسى. ثم فهمت بعد قراءة تحليلات، أن محمد دحلان بطل في الأمن الوقائي، وسيجعل الإثيوبيين يتنازلون عن نهر النيل بالوسائل المعروفة، وخابت تنبؤاتي في أنّ السيسي سيكلف زميله رئيس دولة الأقباط، السيد تواضرس، بالمهمة. 
وكان السوريون عامة لا يصنعون فيلماً من غير ممثل مصري، وكان دريد لحام يأمل أن يصيح نجماً في مصر، وشباك تذاكرها، وأظن أنه لم ينجح، وإن نجح في دول عربية أخرى، حتى فناني سورية اللامعين، مثل تيم الحسن وأيمن زيدان وجمال سليمان، عندما عملوا في السينما المصرية تكلموا باللهجة المصرية (سوري ناطق بالمصري)، وكان أبرعهم أيمن زيدان الذي كان يتكلم بالمصرية الحمصية. أي ممثل أو مطرب يذهب إلى هوليوود العرب، القاهرة، ليتم تعميمه وتأميمه وتمصيره، مثال ذلك فريد الأطرش وفهد بلان وصباح ومطربة الجيل ميادة الحناوي. نذكّر ثانية بالمطرب دحلان والراقصة خليفة حفتر.
أمس، اتصل بي صديقٌ مصريٌ لطيفٌ، صار رئيسا لتحرير صحيفة إلكترونية من النهر إلى البحر، وطلب مني كتابة مقال أسبوعي في موقع عربي، وطلب مني ترشيح كتاب وكاتبات سوريين، فرشحت ثلاثاً من الكتاب لا يزالون يكتبون في الموقع.
كنت أكتب في الشأن المصري، فطلب الكتابة في الشأن السوري، وهذا نباهة صحافية؛ لأن الكتاب المصريين زي الرز المتلتل، وجحا أولى بلحم كفتته، وأهل مصر أدرى بفوسفاتها..، فكتبت مقالاً عن حافظ الأسد، فقرأه، وقال: مين حافظ الأسد؟
- هو أبو بشار الأسد.
- احنا نعرفوا بالعافية؟
صديقي المصري مغرور، وهو بطل مقالاته كلها، يعني إذا كتب عن هيكل تحدث عن نفسه، علماً أنه لم يذق لقمة من كفتة عبدالعاطي أو بامية مفسفتة. من حسناته أنه ظريف ومصاب بالزهايمر، فتوقفت عن الكتابة له، بعد إهمال أو نسيان أو ازدراء، من أجل كلمة فصحى من العصر الجاهلي، عبرت سماء المقال.
أمس، لمحني على الفيس، فطلب مقالاً، لأنّ المقالات الأخرى ضاعت منه، فدسست له مقالاً جاهزاً، فاشتكى من الاستطراد. والحق أني مصاب بأمراض سردية كثيرة، مثل حب الفصاحة، والتشتيت، فعمل لي درساً في الكتابة الصحافية، ونزل عدة "بوستات" عن المقال الصحافي الذي يكتبه هو بأحسن وجه وأجمل قفا.
الحق أنني أحترم رأيه، واستفدت من آرائه. المثل يقول: الأصغر منك بيوم أعرف منك بسنتين. أعتقد أنّ المدرسة المصرية في الصحافة ترهلت وضرب فيها السوس والفوسفات، وتفوقت عليها المدرسة اللبنانية، بسبب ديمقراطيتها "الطائفية"، وباتت مدارس قطرية وإماراتية تبارز في الميدان، وتتفوق على المدارس العربية التي كانت رائدة ذات يوم. القاعدة هي: ما من شيء رفعه الله إلا وضعه.
البارحة، اتصل بي على الفيس: أهلاً آنسة رضوى.
- أنا أحمد يا حضرة العمدة.
أحمد عمر
أحمد عمر
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر