رسائل تعيينات ترامب وترشيحاته
مع استعداده لدخول البيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل، وبعد إعلانه أسماء كبار مرشحيه ومساعديه لمناصب مهمّة في إدارته الجديدة، يبدو أنّ دونالد ترامب يُحضّر هذه المرّة لإدارة أميركية بـ "نكهة ترامبية" تضم شخصيات غير تقليدية ممن يوالونه، ويؤمنون بحق بـ "الترامبية". إذ تظهر القراءة المتأنية لمجموعة من الأسماء الجدلية والعناصر السياسية التي رشّحها ترامب لترافقه في إدارة السياسة الأميركية داخلياً وخارجياً، أنّ اختياره هذه الأسماء والشخصيات لا يعكس فقط مجرّد رغبته في إحاطة نفسه بشخصيات توافق رؤيته ومؤمنة بأيديولوجيته السياسية، بل تمثّل أيضاً محاولة لترسيخ نهج "ترامبي" خاص به يعيد تشكيل الدور الأميركي عالمياً، سيما بعد تراجعه في السنوات الأربع الماضية في ظل إدارة بايدن - هاريس الديمقراطية. لذلك يرى باحثون ومختصون عديدون أن ترشيح ترامب هذه الشخصيات الجدلية وغير التقليدية، لم يكن مجرّد قرارات إدارية، بل رسائل سياسية واضحة إلى المجتمع الأميركي والعالم تحمل ملامح المرحلة المقبلة، والتي يبدو أنّها ستعبّر عن استمرارية رؤيته الشعبوية والحمائية، مع تعزيز الولاء الشخصي على الكفاءة المؤسّسية لتنفيذ أفكاره ووعوده التي قطعها خلال حملته الانتخابية.
على الصعيد الخارجي، يعكس ترشيح ترامب ماركو روبيو وزيراً للخارجية، وهو أحد صقور الجمهوريين، ومعروف بخطابه الحاد ومواقفه الصارمة تجاه أعداء أميركا، سيما الصين وإيران، توجّهاً أميركياً نحو مزيد من التشدّد في العلاقات الدولية، فالمتوقّع أن يدعم وجوده وزيراً للخارجية استراتيجيات ترامب التي تعتمد على الضغوط القصوى، بدلاً من المفاوضات التقليدية، وهو ما يُجسّد نهجاً محافظاً يتماشى مع سياسة ترامب القائمة على المواجهة مع الأنظمة المعادية.
ويعكس ترشيح ترامب بيتر هيغسيث وزيراً للدفاع، وهو القادم من عالم الإعلام، ومعروف بانتقاده الحاد حلف شمال الأطلسي (ناتو)، والمؤسّسة العسكرية الأميركية التقليدية، واختلافه مع رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال سي. كيو براون، توجّهات ترامب نحو إعادة ترتيب أولويات "البنتاغون" بما ينسجم مع رؤية ترامب "أميركا أولاً"، كما يعكس أيضاً رغبة ترامب بتبنّي مواقف أكثر استقلاليةً عن الشركاء الدوليين، وتقليل الالتزامات الخارجية، مع تعزيز قوّة الردع المباشر.
ترشيح ترامب هذه الشخصيات الجدلية وغير التقليدية، لم يكن مجرّد قرارات إدارية، بل رسائل سياسية واضحة إلى المجتمع الأميركي والعالم تحمل ملامح المرحلة المقبلة
أما اختياره مايك والتز مستشاراً للأمن القومي، وهو المعروف بمواقفه المتشدّدة تجاه الصين، وانتقاده حلف الناتو، وتولسي غابارد مديرة للاستخبارات الوطنية، وهي المعروفة بمواقفها المؤيدة روسيا والنظام السوري، وانتقادها استخدام الاستخبارات لدعم التدخلات العسكرية، ودعوتها إلى تقليل التدخل العسكري الخارجي، والتركيز على مصالح أميركا داخلياً، اختيار ترامب هذين يعكس تحوّلاً لديه نحو مقاربة واقعية في السياسة الأمنية والاستخباراتية، تقوم على تحقيق هدفين أساسيين: الأول، تحقيق الأولويات الاستراتيجية لأميركا عبر التركيز على القوة والردع، والتركيز على الأمن الداخلي ومواجهة التهديدات المباشرة بدلاً من المغامرات الخارجية، وبما يتماشى مع استراتيجية ترامب "السلام من خلال القوة". والثاني، المساعدة في إصلاح العلاقات المتوترة مع بعض الحلفاء التقليديين لأميركا، ودفعهم إلى المساهمة بشكلٍ أكبر في القضايا الأمنية والدفاعية المشتركة، وبما يتماشى مع نهج ترامب في "تقاسم الأعباء".
ولا يخرج اختيار ترامب رجل الأعمال اليهودي وقطب العقارات، ستيفن ويتكوف، مبعوثاً إلى الشرق الأوسط، ومايك هاكابي، المعروف بتأييده الكبير إسرائيل ومعارضته حل الدولتين، سفيراً في إسرائيل، عن إطار أهداف الترشيحات والتعيينات السابقة، فهو يبعث إشارة صريحة على ميله الواضح لإسرائيل، مع إعطاء الأولوية للمقاربات العملية والاقتصادية في التعامل مع قضايا المنطقة، بما يشمل تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري مع دول المنطقة، في جزء من مقاربة لحل النزاعات وتقوية التحالفات، كما يعكس رغبة رجل المكاسب والصفقات في تقديم مقاربات مبتكرة لتوسيع نطاق اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول عربية، في إطار ما يُعرف بـ "اتفاقيات أبراهام".
ويعكس اختيار إليس ستيفانيك، مندوبة لدى الأمم المتحدة، وهي تعد من صقور الجمهوريين، ومعروفة بانتقاداتها الأمم المتحدة، ودفاعها عن سياسات "أميركا أولاً"، رغبة ترامب في استمرارية نهجه تجاه المنظمة الدولية، وتبنّي سياسة أكثر حزماً واستقلاليةً في علاقة أميركا مع هذه المنظمة وأجهزتها.
ختاماً، يمكن القول إنّ تعيينات ترامب وترشيحاته في إدارته الثانية، تعكس توجّهه السياسي غير التقليدي، الذي يسعى من خلاله إلى تحدّي النخب التقليدية من جهة، وترسيخ النهج الشعبوي لإعادة صياغة الحكم الأميركي بما يتماشى مع رؤيته الخاصة لتعزيز مكانة "الترامبية" أيديولوجيا سياسية مستقلة، وبما يتناسب مع فلسفته التي تقوم على شعار "أميركا أولاً" من جهة أخرى.