رحلة خنجر عُماني إلى متحف الإرميتاج

09 ديسمبر 2024

في العرض الأول لفيلم "الخنجر" في مسقط (صفحة وزارة الإعلام في عُمان في فيسبوك)

+ الخط -

في رواق المتحف الوطني العُماني بمسقط، عُرِض في 2 ديسمبر/ كانون الأول الفيلم الوثائقي "الخنجر" (28 دقيقة)، من إعداد الإعلامية أنيسة مراد غوردينا، وإخراج المصري المقيم في موسكو كريم نجيب، وإنتاج قناة روسيا اليوم.
انطلق الفيلم في مادّته من فكرة بسيطة وعابرة، تتعلّق بانتقال تحفةٍ عُمانيةٍ للإعارة من المتحف الوطني العُماني بمسقط إلى متحف الإرميتاج بسانت بطرسبرغ بروسيا. وهذه المرّة، خنجر عُماني نادر يعود إلى السلطان العُماني السابع لزنجبار، حمود بن محمد البوسعيدي، وهي لُقيا تعتبر نادرةً تعود إلى القرن التاسع عشر، ويسمّى الخنجر السعيدي. ولكنّ الفيلم إذ بدأ بهذه الفكرة لم ينته عندها بسهولة، إنّما انتهزها فنّياً للتعريف بأنواع الخناجر العُمانية، ثمّ بالبيئة العُمانية المتنوّعة من بحار وصحارى وواحات. رحلة عبر المكان والزمان، تتبع التاريخ والحاضر، الخنجر فيها هو البطل، لأنه جزءٌ أساسٌ من الهوية العُمانية، إلى جانب أنه شعار رسمي للدولة، نظراً إلى عراقته (منذ العصر البرونزي قبل قرابة خمسة الآف سنة)، أو كما قال المخرج إنه حين زار عُمان كان يرى الخنجر في كلّ مكان، ابتداءً من العُملة، وليس انتهاء عند العمامة أو المصر التي يزخر كثير منها برسومات متنوّعة لهذا الخنجر الذي نكتشف في الفيلم أنه يتنوّع ويتعدّد بحسب بيئته، فالخنجر الصوري مثلاً يتميّز بوجود أمواجٍ في صناعته، وذلك لأن صور مدينة بحرية. في هذا الجانب، أجرى الفيلم لقاءً مع أحد الحِرْفيين، الذي تحدّث مفصّلاً عن طبيعة صناعته للخنجر العُماني وأقسامه الدقيقة (مثل القطاعة، ويدخل فيها الطمس والحلق والقبوع والطوق والصدر والحزاق واللوح والعياص وسنسلة التعليق والمشبك والتبليغة والقرن والمكحلة، التي يحفظ فيها الكحل، ويعتلي ذلك النصل).
كما أن الفيلم لم يكتفِ بالجانب الوثائقي التتابعي الذي ينتقل من فقرة بيئيةٍ إلى أخرى، إنما ابتكر وجود حياة بين الكلمات من طريق تصوير رجل عُماني يرتدي دشداشة بيضاء ويتخصّر خنجره، بل حتى إن قصّة لحيته تسمّى محلّياً بقصّة الخنجر، وهي إحدى قصّات اللحية التي يخيّرك الحلّاق بينها، حتى وإن كان الحلاق آسيوياً، فإن قصّة اللحية هذه استلّت من الخنجر العُماني نتيجة أصالة الخنجر في الحياة العُمانية وشيوعه، وتعدّد استخداماته اجتماعياً ورسيماً، خاصّة في الأعراس والاحتفالات الوطنية، إلى جانب البيئة والرجل العُماني، الذي كان يتحرّك والخنجر في خصره، ويؤدّي الطريقة الصحيحة للبس الخنجر والتعامل معه، فقد كانت، حتى حركات يديه (يمشي ويقلّبهما إلى الوراء)، تؤكّد حرصه على أداء الدور بطريقته الصحيحة، كما هي في الأعراف والتقاليد للبس الخنجر العُماني. كما تصاحب الفيلم كلمات سجعية بالفُصحى، جاءت على لسان الخنجر، أقتبس منها الآتي: "تنام ولا أنام في حرب أو سلام، في ثآر أو وئام، أنا نجم همام، أنا عالي المقام، أنا حلم المرام، وفي قلب التراث على الصدر وسام، أنا زينة الرجال في دروب الجبال، أنا رمز مثال على شكل الهلال، أنا معنى النضال، رفيقك في النزال شريكك في السجال".
ونكتشف من الفيلم أنه يوجد للخنجر عدّة أنواع، أولها السعيدي، وهو خنجر السلاطين، والثاني النزواني، الذي يمتاز بالضخامة والقرن المفتوح ويفرّقه من الخنجر السعيدي وجود أربع حلقات، بينما في السعيدي سبع حلقات. هناك أيضاً الخنجر الصوري ذو الأمواج البحرية.
وبعد أن يجول بنا الفيلم في البيئات العُمانية المختلفة التي تصنع الخنجر العُماني الذي يعتبر حالياً رمزاً للوجاهة، يتخصّره الناس في المناسبات الرسمية أو الاجتماعية، خاصّة الأعراس، يعود بنا الفيلم إلى المتحف الوطني بمسقط، الذي ستنتقل منه هذه التحفة، إذ نتعرّف إلى القسم الذي يسمّى قسم "الحفظ والصون"، ويتتبع المشاهد هنا تفاصيل الطريقة الدقيقة التي تمرّ بها عملية تجهيز التحفة وحفظها قبل نقلها. بعد ذلك تنتقل بنا الكاميرا إلى روسيا، لندخل قلب متحف الإرميتاج الذي يُعدُّ من أكبر متاحف العالم، وهناك نسمع حديثاً من مدير المتحف البروفيسور ميخائيل بيوتروفسكي الذي سيحتفل قريباً بعيد ميلاده الثمانين، وقد أصرّ على أن يتحدّث العربية، وهي المرّة الأولى، ومن خلاله عرفنا أن هذا المتحف لم يكن متحفاً جاء على إثر قصر، كما يحدُث كثيراً لمتاحف العالم، إنما هو متحفٌ بُنِي بالأساس في جانب القصر.

593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي