رئاسيات تركيا: اليوم التالي
تترقّب تركيا اليوم الأحد (28/5/2023) مصير رئاسة البلد في الدورة الثانية من الانتخابات بين الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان وزعيم المعارضة كمال كلجدار أوغلو، ومعها ينتظر مئات آلاف اللاجئين السوريين بقلق كيف يمكن أن تنعكس النتائج على وضعهم في تركيا، خصوصاً أنهم زُجّوا طرفا أساسيا في الحملات الانتخابية للطرفين، وإن بنسبٍ متفاوتة من التحريض والعداء والوعود بالترحيل، القسري أو الطوعي، إلى الأراضي السورية. القلق مبرّر بالتأكيد في ظل ارتفاع منسوب الممارسات العنصرية في الداخل التركي ضد كل من هو أجنبي عموماً، وعربي خصوصاً، والأمر ليس حكراً على السوريين.
من الواضح مبدئياً أن حظوظ الرئيس أردوغان هي الأكبر في الدورة الانتخابية الثانية، بالنظر إلى طبيعة مؤيديه وخلفياتهم الأيديولوجية التي تجعلهم أكثر التزاماً في التوجّه إلى صناديق الاقتراع، إضافة إلى الدعم الذي حظي به من المرشّح الخاسر في الانتخابات الرئاسية سنان أوغان، الذي نال 5% من الأصوات في الدورة الأولى. وبغضّ النظر عن القدرة التجييرية للأصوات التي يملكها أوغان، إلا أن انتقال 1% على الأقل من الأصوات إلى أردوغان سيكون كافياً لحسم النتيجة.
في المقابل، فإن الكتلة الانتخابية لمعسكر المعارضة بزعامة كلجدار أوغلو، أو بشكل أوضح الأصوات التي حصل عليها في الجولة الأولى، ليست بدرجة الالتزام الأيديولوجي نفسه لأصوات المعسكر الآخر، خصوصاً أن معظم المصوّتين لمعسكر المعارضة فعلوا ذلك اعتراضاً على سياسات أردوغان العامة وطلباً للتغيير بعد 21 عاماً من حكم حزب العدالة والتنمية. يُضاف إلى ذلك أن معسكر المعارضة نفسه ليس على "قلب رجل واحد"، خصوصاً بعد تكريس الخطاب المعادي للاجئين كأساس الحملة الانتخابية لكلجدار أوغلو، وهو ما أثار امتعاض بعض أطراف "التحالف السداسي" الذي خاض الدورة الأولى في وجه تحالف أردوغان. والامتعاض الحالي داخل "تحالف الشعب" هو امتداد أيضاً لاعتراضاتٍ سابقة على إصرار كلجدار أوغلو على أن يكون هو المرشّح المواجه لأردوغان، إذ يرى معارضون عديدون أن شخصية كلجدار أوغلو تمثل سبباً جوهرياً في خسارة الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وأنه لو سنحت الفرصة لترشح شخص آخر، على غرار رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، لكان معسكر المعارضة حسم الرئاسة من الجولة الأولى.
ما سبق لا شك سينعكس على نسبة الاقتراع في الجولة الثانية، والتي لن تقترب من نسبة 87% التي شهدتها الدورة الأولى، وهو ما يصبّ في صالح أردوغان. لكن بغض النظر عن الفائز في الانتخابات، ستركّز الأنظار على مشهدين أساسيين داخليين في اليوم التالي للانتخابات، الأول تعامل الرئيس الجديد مع قضية اللاجئين، فاستغلال أردوغان ورقة اللاجئين قبل الانتخابات، في حال فوزه، لن يكون هو نفسه بعدها، بل على العكس، خصوصاً مع انتفاء الحاجة إليها، إضافة إلى الدور الذي لعبه المجنّسون منهم في فوزه. الأمر نفسه بالنسبة لكلجدار أوغلو لكن لأسباب مختلفة، إذ إن معسكر المعارضة أقرب إلى الموقف الأوروبي من معسكر أردوغان، وهو ما يعني عدم الدخول في صدامٍ مع الأوروبيين في قضية أساسية، مثل اللاجئين السوريين في بداية فترته الرئاسية، خصوصاً أن الموقف الأوروبي لا يزال الأكثر تشدّداً في مسألة التطبيع مع نظام بشار الأسد.
المشهد الثاني هو التركيبة الحزبية في الداخل التركي بعد الانتخابات، ومصير تحالف المعارضة، إضافة إلى مستقبل حكم حزب العدالة والتنمية، فمن الواضح أن خريطة حزبية جديدة في طريقها إلى التشكّل في الساحة التركية، وهو ما عكسته نتائج الانتخابات البرلمانية مع نيل عدد من الأحزاب الصاعدة بقيادة منشقّين عن "العدالة والتنمية" مقاعد على حساب الحزبين الكبيرين "الشعب الجمهوري" و"العدالة والتنمية". ولعل مشكلة الحزب الأخير أكثر تعقيداً في ظل غياب قيادي بديل لأردوغان، والذي ستكون هذه العهدة الرئاسية الأخيرة في حال فوزه، بعدما أبعد كل النجوم الذين سطعوا في سماء الحزب خلال سنوات حكمه، وهي معضلةٌ لا بد للحزب من العمل عليها سريعاً.
انتخابات اليوم حاسمة على المدى البعيد، وسيكون لنتائجها دور كبير في تشكيل مستقبل المشهد السياسي التركي.