رأي في الأحداث
أخبار الملف السوري، في الأيام الأخيرة، تغري الإنسان السوري المتقاعد سياسياً، كمحسوبكم، بأن يُدلي بدلوه، بعدما أصبح هذا الملفّ مثل شلة حرير عالقة بالشوك، أو كما كانت المرحومة عمّتي عيوش تقول: صارت الدنيا جوف حمار... المتدخلون في الحدث السوري، والمعلقون عليه، أخذوا يعملون بطريقة دبكة السكرانين التي تنعقد من دون اتفاق في آخر العرس (بأرضَكْ بأرضَكْ)، ويغنون فلا يفهم أحد على أحد.
الصين، التي لم نكن، نحن السوريين، نراها، خلال السنوات الـ12 السابقة، إلا في مجلس الأمن، حيث ترتفع أصابعُ مندوبها أوتوماتيكياً إلى جانب أصابع المندوب الروسي، بالفيتو، ضد أي قرار يزعج نظام الأسد، حتى ولو كان إدخال مساعدات إنسانية، قدّمت مبادرة صلح بين الدولتين المتصادمتين منذ 1979، إيران والسعودية، وكأنها تقول لأميركا، انتبهي، إن عصر جلوسنا في ظل أحداث العالم ولّى، وأميركا تهزّ رأسها وكأنها تقول: بسيطة، سنرى... والسعودية وإيران لم تتصالحا، مع ذلك، ولا أظنهما تتصالحان، لأنّ الحرب بينهما، في الأساس، ليست مزحة، بل إنّها حرب "على القتل"، والسعودية تعرف أنّ أهداف إيران من غزوها المنطقة ليست أقلّ من الحصول على الكعبة.
السعودية المرعوبة من الكبتاغون تريد الآن أن تلعب دوراً إقليماً، ولو صغيراً، من دون الرجوع إلى الأميركيين، لذا "تحركشت" بالأسد، بزيارة دبلوماسية، ووقَّع مندوبها في اجتماع القاهرة على القرار 8914، المتضمّن إعادة سورية، بوضعها الراهن (الأسدي)، إلى جامعة الدول العربية. وسمع شبّيحة الأسد بصدور القرار، فأخرجوا "الشملات"، ونزلوا إلى الدبكة، وقبل أن تزغرد الرفيقة انشراح، وينخرط الجميع بالدبكة، أتى مندوب عن النظام المنتصر، يقول: "لو سمحتم، أيتها الرفيقات، أيها الرفاق، الانتصار قادم، لا ريب فيه، ولكن تريّثوا، فالموضوع فيه إنَّ". والـ (إنَّ)، كما يقول المراقبون، بسيطة جداً، وهي أن القرار العربي، معطوف على القرار الأممي 2254، وعلى مبادرة كوفي عنان ذات النقاط الست، 2012، ويتلخص في تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحية، (تشلّحُ) الأسدَ سلطتَه، وتقول له اذهبْ إلى حيث ألقت رحلها أم قَشْعَمِ.. لكنّ الأسد قاتَلَ، وقَتَل، واستورد مقاتلين أجانب، وفتح البر والبحر والجو لمن يرغب في مساندته، من أجل أن يتجنّب الذهاب باتجاه رحل أم قشعم، فهل يتركها، اليوم، كرمى لكلمتين تقولهما جامعة الدول العربية، وهو الذي استهزأ باللجنة التي أرسلتها الجامعة نفسها في سنة 2011، برئاسة محمد الدابي، وأغرق أعضاءها بالتفاصيل، وقد رأينا جيش النظام يومئذ، رأيَ العين، في جبل الزاوية، يخبئ الدبابات عن أعين اللجنة. وعندما قال أحد المشاركين في الثورة لأعضاء اللجنة "شوفوا الدبابات"، بطحه الضابط أرضاً، على مرأى الجميع، وراح يدعوسه بالبسطار، وهو، أعني النظام، يمشي، في هذه الأيام، مثل رجلٍ ألقي في وحل سميك، ودُحرج، فتضاعف وزنُه، وثقلت حركته، وأصبح لا يعرف ما يفعل، يقول لا نلتقي مع الأتراك قبل أن ينسحبوا من أراضينا، ثم يرسل فيصل المقداد ليصافح جاووش أوغلو في موسكو، من دون قيد أو شرط، والباقون تحت سلطته من الشعب السوري تحت سلطته جائعون، وتعبانون، والسجون باتت تغص بالمعتقلين، والأميركيون يزيدون في الوحل العالق بثيابه بلة، أو بلتين، يومياً، ويتحد الحزبان المتنافسان، ومجالس الحكم والتشريع ضده، ويصدرون القرارات التي تصر على محاسبته بوصفه مجرماً يقتل شعبه، ويصدّر المخدرات، وبينما يصل الأسد إلى جدة، ليشارك في القمة، يقر الكونغرس الأميركي، بأغلبيّة ساحقة، قانون محاربة التطبيع مع نظام الأسد لعام 2023... والقصف الإسرائيلي لمواقع الإيرانيين المختبئين هنا وهناك يشتد، وروح المرحوم وليد المعلم ما زالت ترفرف في الأجواء، ويتردد قوله الشهير "مَن أراد أن يقصف فلينسّق معنا". وهذا يعني أن ما يقوم به الطيران الأردني، مثلاً، في الأراضي السورية، لا يجرى خلسة، بل بالتنسيق مع هذا النظام العنيد.