خمسة + واحد وأكثر في الصراع السوري

25 مارس 2024
+ الخط -

لم يملّ مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، غير بيدرسون، من ترديد "أنّ ما من حلّ عسكري في سورية"، وهي العبارة التي تحمل المضمون الذي ردّده من سبقه من زملائه المستقيلين من المنصب نفسه، كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي وستيفان ديمستورا، وسبقتهم إلى النتيجة نفسها جامعة الدول العربية في بداية انطلاقة الثورة السورية عام 2011  وتوسّع التدخلات في مساراتها عربياً وإقليمياً ودولياً.
وعلى الرغم من التأكيد الأممي عبر التصريحات والبيانات، "أن الحلّ في سورية هو سياسي"، إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار تصاعد دور السلاح من الطرفين (النظام والمعارضة) بداية، ليتطور بأدواته وآلياته وأهدافه مع التدخل الدولي في مسار الصراع السوري، وهو ما أدّى إلى تحوله من صراع داخلي إلى صراع إقليمي ودولي، خرجت بموجبه فاعلية القوى المحلية، سواء على صعيد التصعيد العسكري أم خفضه، لتصبح بيد الدول التي تدعم الجهات المسلحة التي تكاثرت في سورية، وتنوّعت مشاريعها على حساب مصلحة السوريين، ووجود دولتهم الواحدة والمستقلة.
مع أهمية التسليم بأن الصراع في سورية بحكم تعدّد مستوياته واختلاف مصالح الدول التي تؤجّج جبهاته، يجب أن يذهب، في يوم ما، إلى  مسار الحل السياسي، ولكن هذا الحل لا يعتمد، في أساسه، على الطرفين المتصارعين الممثلين في اللجنة الدستورية (النظام السوري مقابلاً أو متنازعاً مع هيئة التفاوض السورية لقوى الثورة والمعارضة)، سواء اجتمعت أم بقي النظام على تعنّته، ووضع العراقيل في وجه اجتماعاتها، وعلى الرغم من أن اللجنة الدستورية هي "تفصيلة" صغيرة جداً في  الصراع السوري، كانت منذ تأسيسها مجرّد مؤشّر على نيّات الدول "الداعمة" للصراع بقبول التفاوض فيما بينها عبر الأدوات السورية التي تقف وراءها.

انضم أخيراً الجيش الأردني إلى واجهة العمل العسكري داخل المناطق السورية، في عمليات تستهدف عصابات تصنيع المخدرات وتهريبها

  فالحل السياسي الذي صار تيمة يرددها المبعوث الأممي هو المطلوب فعلياً، لوقف حالة الانهيار السوري وتداعياته على محيطه، لكنه أيضاً بعد 13 عاماً (الحلّ) يجب النظر إليه على مستويات مختلفة، في مستواه الأول يبدأ من الحل بين الدول المتدخلة في الصراع السوري، والتي توجد بجيوشها على الأرض السورية وصارت (خمسة + واحد) أخيراً بحسب تصريح رسمي من بيدرسون، هذا إضافة إلى جيش الأسد والمليشيات والفصائل والمنظمات الإرهابية.
فبعد الوجود العسكري لإيران وروسيا وتركيا والولايات المتحدة (وإسرائيل) في الأراضي السورية سواء من كان بإرادة السلطة الحاكمة أو لمحاربتها، انضم أخيراً الجيش الأردني إلى واجهة العمل العسكري داخل المناطق السورية، في عمليات تستهدف عصابات تصنيع المخدرات وتهريبها، وذلك لإبعاد خطرها عن أراضيه ومجتمعه، وهذه الجيوش الستة ليست على جبهتين متضادتين فقط، أي مع النظام أو ضده، بل هي في جبهات متداخلة ومتقابلة ومتقاطعة داخل سورية وخارجها، وتتقاطع مع عدة ملفات دولية كل منها لها عداوات وصداقات تقربها من الجيش الآخر أو تبعدها عنه.
ما يتطلب حلولاً دولية على درجات متنوعة مؤداها الوصول إلى مصالحهم التي يتنازعون عليها، وإنهائها، لعودة هذا الصراع إلى محليته، واختصاره بين جيش النظام وأدواته الأمنية اللذين مارسا القمع والعنف في أبشع صوره، ولا يزالان، ضد عموم السوريين المطالبين بحقهم في حياة مواطنية طبيعية في بلدهم.

ترى روسيا التي تريد فرض تعدّد القطبية في العالم، في وجودها العسكري إضافة نوعية لتوزيع تقاسم العالم مع الجانب الأميركي

فإيران ومليشياتها الطائفية السباقة إلى التدخل العسكري في سورية لها أهداف عديدة من وراء حماية النظام السوري، أهمها بقاؤه درعاً واقياً في صراعها مع إسرائيل وامتداداً حيوياً لذراعها (حزب الله) اللبناني من جهة، وأرضاً ممتدة لنفوذها من العراق إلى سورية ولبنان، وكذلك استخدام أراضيها ساحة خارجية تتلقى فيها الضربات الإسرائيلية والأميركية، ما يبعد الخطر عن النظام الإيراني في بلده، ورغم أن الصراع السوري جاء طارئاً على ملف التفاوض الإيراني – الأميركي إلا أنه قد يفيد في تثقيل التفاوض لمصلحة إيران التي لا ترغب إسرائيل في وجودها على الحدود الجنوبية لسورية،
وروسيا التي تريد فرض تعدد القطبية في العالم، ترى في وجودها العسكري إضافة نوعية لتوزيع تقاسم العالم مع الجانب الأميركي، وتعد حماية الأنظمة الديكتاتورية خير وسيلة لمواجهة المشروع الغربي في نشر الديمقراطية في دول صديقة لاشتراكيتها المهدورة، ما يعني أن الحل السياسي في سورية ليس معطلاً في مستواه المحلي الأدنى لأسباب تتعلق "بعته" النظام السوري، أو هشاشة المعارضة فقط، ولكن لأسباب تتعلق بأكثر من ملف روسي- أميركي- أوروبي، ودخلت حرب روسيا على أوكرانيا لتغير في أولويات روسيا والعالم ومنها أولوية الحل في سورية الذي يقع على هامش أي تفاهمات كبرى.

مصالح إسرائيل ليست جديدة على الوضع السوري الذي تريده كما هو متمسكاً بتعهداته تجاه جبهاته معها، وبقاء مقاومة النظام السوري مجرد حبر على ورق

وسارعت تركيا إلى دخول حلبة الصراع في سورية، جهة ذات مصالح متعدّدة من الحيلولة دون نشر الفوضى على حدودها، إلى استفادتها من الأراضي السورية لتكون ساحة معركة لها تعيق عبرها تقدّم المشروع الكردي العابر للحدود، من خلال حرب استباقية على كرد سورية، تعطي درساً رادعاً لكرد تركيا وطموحاتهم، إضافة إلى ما نتج عن ذلك من مناطق نفوذ تركية في سورية يصعب التخلي عنها من دون مقابل يضمن مصالحها، في مواجهة النظام السوري من جهة، والوجود الأميركي الذي يرفرف علمه فوق مليشيات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية، إضافة إلى تحجيم النفوذ الإيراني.
ومصالح إسرائيل ليست جديدة على الوضع السوري الذي تريده كما هو متمسكاً بتعهداته تجاه جبهاته معها، وبقاء مقاومة النظام السوري مجرد حبر على ورق، لا تقدّم شيئاً سواء على الصعيد الفلسطيني أم لجهة إلزامها تنفيذ القرارات الأممية وانسحابها من الجولان السوري.
ولن تُرضي الأردن التعهدات الإعلامية التي لم تمنع شحنات المخدرات من الوصول إلى أسواقه، أو عبورها إلى الدول الخليجية، التي صارت نقاط الجمارك فيها شبه متفرغة لكشف خطط المهربين لمنع تسلل بضائعهم الممنوعة إلى أسواقهم.
كل هذه الجهات الست مضافاً إليها عدد آخر من الدول المتدخلة بطرق مباشرة وغير مباشرة في الملف السوري في حاجة إلى جملة تفاهمات يلتقون حولها، قبل أن تلتقي مصالحهم مع مصلحة الحلّ السوري الذي لن يخرج عمّا تريده الولايات المتحدة التي تتفرّج على مسرح الأحداث من كرسي المخرج مرّة ومن كرسي المتفرّج الذي لم يدفع ثمن تذكرة دخوله أساساً.

930EB9D8-8BB0-4CDA-8954-FE630C4A380F
سميرة المسالمة

كاتبة وصحافية سورية، رئيسة تحرير جريدة تشرين سابقاً، نائب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية