خبر من الكويت

01 سبتمبر 2020

رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم في جلسة مناقشة مشاريع قوانين (18/8/2020/فرانس برس)

+ الخط -

أمّا وأن نحو خمسة آلاف كتابٍ تم حظر توزيعها وتداولها في الكويت في السنوات السبع الماضية، بقراراتٍ من وزارة الإعلام، فإنه إنجازٌ كبيرٌ التعديل الذي أجراه مجلس الأمة (البرلمان)، الكويتي، 18 الشهر الماضي (أغسطس/ آب)، على قانون المطبوعات والنشر، عندما ينزع هذه السلطة من الوزارة، ويلغي الرّقابة المسبقة على الكتب والإصدارات المنشورة، ويُحمّل مستورد الكتاب مسؤولية محتواه، ولا يتم التحرّك القانوني ضد الكتاب إلا بقرار محكمةٍ بعد شكوى عليه. وطيّبٌ أن التعديل جرى باعتراض تسعة نواب فقط (وموافقة 40)، فيما الأصل أن هذا المستجدّ التشريعي إنما يعيد المسألة إلى طبيعتها، وينهي حالةً شاذّة، لا تستقيم مع بديهياتٍ عامة، ولا تتّسق مع ما تعرفه الكويت من مساحةٍ عريضةٍ من حرّياتٍ عامة في النقاش العام، في الصحافة والديوانيات والبرلمان. ومعلومٌ أن المشتغلين بالثقافة والإعلام في البلد نشطوا طويلا، منذ صدور قانون المطبوعات والنشر بصورته السابقة، في العام 2006، في فعالياتٍ وبياناتٍ (واعتصام سبتمبر/ أيلول 2018)، بهدف وقف التجاوزات الفادحة التي أقدمت عليها وزارة الإعلام بشأن الكتب والإصدارات المطبوعة، سيما في السنوات الأخيرة التي شهدت ما صحّ نعتها "مجازر" ضد الكتب، طاولت روايات لماركيز وفيكتور هوغو ورضوى عاشور و"نهج البلاغة" (أمثلة). وكانت بالغة الأهمية المعركة القانونية التي خاضها الكويتي، سعود السنعوسي، بشأن روايته "فئران أمي حصّة"، مع وزارة الإعلام التي امتنعت عن تنفيذ قرار المحكمة الإدارية وقف قرارها منع تداول الرواية التي صدرت سبع طبعاتٍ منها في أربع سنوات (متوفرّة في شبكة الإنترنت!)، قبل أن تؤيد الحكم محكمة الاستئناف التي أكّدت تبرئة هذا العمل الأدبي مما اتهمته الوزارة به.
كان الطموح أن يتضمّن التعديل على القانون إلغاء عقوبة الحبس في "جرائم الرأي"، وتخفيفا من القيود الرقابية، المطّاطة كما تُنعت عن حق، غير أن الأغلبية في تصويت البرلمان لم تؤيّده، وأن تتّسع في القانون مساحات المسموح، وأن تُزال منه معاييرُ لا تتناسب مع المساحات المأمول بها من حرّيات التعبير عن الرأي. وبسبب محدودية ما أصاب القانون من تحسين، طفيفٍ وطيب معا، جاء طبيعيا أن لا يبتهج مثقفون كويتيون كثيرون به، بل منهم من رأى، في مبالغةٍ ظاهرةٍ ربما، أن الوضع صار أسوأ مما كان عليه، غير أن النقاش الواسع الذي جرى بشأن ما سينعكس إيجابا على سوق النشر وتوزيع الكتب ومقروئيتها في البلد بعد التعديل القانوني يؤشّر إلى تمسّك الفاعلين في الفضاء الثقافي والإعلامي بقيم الحرية والحداثة والمدنية، وهذه من عناوين نهوضٍ تشتدّ الحاجة إليها في بلادنا العربية، مع تفشّي المذهبيات والسلفيات المتشدّدة، والنزوعات التي تستهدف العقل والعقلانية. والكويت التي كان لها فضل كبير على القارئ العربي تستحقّ أن يكون فيها مشهد التداول العام في الفكر والثقافة والإعلام على غير ما هو عليه راهنا من تراجعٍ ملحوظٍ عما عرفه في أطوار سابقة، كان حيّز التعايش بين مختلف الأفكار والاجتهادات أوسع، وكان الحوار في غير شأن ومسألة يعرف مقادير من الرّقي أرفع مما صار ملحوظا من مشاحناتٍ ومكايدات، وقبل ذلك وبعده، من ضعفٍ في السوية وخفّة في المستوى، وإنْ لا تغيب عن المشهد إضاءاتٌ ثرية، ومساهمات جادّة، وإنْ يلزم أن تُتاح الفرص لجيلٍ جديدٍ من الشباب، لديه أفكاره وتصوّراته، بحساسياتٍ أخرى غير التي توطّنت طويلا، من أجل إغناء الحالة.
قال الأمين العام لرابطة الأدباء الكويتيين، خالد رمضان، إنها "المرّة الأولى التي يحدُث فيها مثل هذا الحشد من الكتاب والمثقفين والمنصّات الثقافية ودور النشر وجمعيات النفع العام في سبيل الدفاع عن الحرّيات، وإلغاء ما يتعارض مع حرية الرأي في بعض القوانين، وهذه المجموعة التي اتّحدت وكافحت لتعديل القانون يجب أن تستمرّ لتحقيق مكاسب جديدة..".. ومن موقع المحبّة الخاصة للكويت، وشعبها ونخبتها، ننتظر مكاسب جديدة.. قريبا.

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.