حماس والانتخابات.. إعادة إنتاج الأزمة

07 نوفمبر 2014

إسماعيل هنية يخطب في صلاة عيد الأضحى (غزة/أكتوبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

تزايدت، أخيراً، التصريحات الصادرة عن قياداتٍ وازنة في حركة حماس، تؤكد مشاركتها المرتقبة في الانتخابات التشريعية والرئاسية، التي قد تجري في الأشهر القليلة المقبلة، كونها أحد استحقاقات اتفاق المصالحة مع حركة فتح. الجديد فيها أن حماس ستدخل الانتخابات الرئاسية، إن لم يكن بترشيح أحد من رموزها وقادتها، فقد تلجأ، كما هو متوقع، إلى دعم مرشح توافقي مقترح، وعلى الرغم من أن بازار الترشيحات لم يفتح بعد أمام دوائر صنع القرار في حماس، لكن العالمين ببواطن الأمور يتحدثون عن بعض الأسماء بحذر شديد.

وفي شأن الانتخابات التشريعية، يبدو أن مشاركة حماس فيها أمر طبيعي ومتفهم، أسوة بنظيراتها من القوى السياسية الفلسطينية، لكن المسألة تحتاج إعادة قراءة من جديد، في ضوء التجربة القاسية التي خاضتها الحركة، في السنوات الماضية بين عامي 2006-2014، خشية تكرار ما مرت به من إشكاليات ومعاناة، أثقلتها بصورة غير متوقعة، ولم تكن مدرجة ضمن قائمة التحديات بالقسوة التي بدت عليها.

فالمعطيات التي كانت ماثلةً أمام حماس، فور فوزها في الانتخابات السابقة، داخليّاً وخارجيّاً، ما زالت ماثلة، بل وأقسى منها، فالرئيس محمود عباس أعلن، غير مرة، أنه سيمنح حماس فرصة تطبيق برنامجها الانتخابي، من دون أن يشاركها في إدارة الوضع المقبل، فيما يتولى حكم إسرائيل ائتلافٌ هو الأكثر يمينية في تاريخها، وليس مضموناً انتزاع موافقته على إجراء الانتخابات الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس المحتلة، أما عن الإقليم المحيط بحماس، فحدث ولا حرج عن القطيعة القائمة في أقصى درجاتها، والفتور الذي لا تخطئه العين في أدناها.

حماس، في إطار قراءتها المعطيات السابقة الكفيلة بكبح جماح أي قرار بالمشاركة الانتخابية، تصويتاً وترشيحاً، تبدو عينها على الواقع الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، وترى فيه دافعاً لتحقيق طموحها بإنجاز فوزٍ لا يقل عن سابقه في 2006، لإثبات مصداقية طرحها السياسي، على الرغم من الصعوبة البادية في المحيط الإقليمي، لتفهم فوز إسلاميين جدد، عقب إطاحة الإخوان المسلمين في مصر، الجماعة الأم لحماس.

غزة التي خرجت، لتوها، من حرب إسرائيلية ضارية، امتدت أكثر من 50 يوماً، ترى فيها حماس قاعدة متينة لقوتها التنظيمية والعسكرية، بعد أن قدمت أداءً قتاليّاً منح حماس شعوراً بأنها قد تمثل البديل الحقيقي لمشروع التسوية الذي تمثله فتح، ما قد يدفع الناخب إلى الذهاب إلى صندوق الاقتراع، من دون أن يعود إلى العشرة، ويختار اللون الأخضر الذي يمثل حماس.

لكن غزة ذاتها، كما يجب أن ترى حماس ذلك بعين ثاقبة، ما زالت ترمم جراحاتها التي ما إن تشفى، حتى تنكأ من جديد عبر ثلاثة حروب إسرائيلية في ست سنوات فقط، أسفرت عن معاناةٍ لا تحتملها غزة، هذا الشريط الساحلي المحاصر: براً وبحراً وجواً، فضلاً عن الحصار الذي يضرب أطنابه عليها منذ سبع سنوات من دون توقف، ما يعني أن الناخب قد يذهب إلى صندوق الاقتراع، وهو يصوت بمنطق "الأمعاء الخاوية"، فمن سينتخب؟

أما عن الضفة الغربية، فترى حماس أنها تعاني احتلالاً إسرائيليّاً واضحاً يجتاح مدنها، صباح مساء، وتقع تحت سطوة الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وما تمثله من تفشي مظاهر الفساد وممارسة الاعتقالات السياسية، ومواطنوها، كما تروج حماس، ينظرون إلى الوضع في غزة باستثناء الحصار، على أنه النموذج الذي يتطلعون إليه، ما يجعل الحركة مطمئنة للنتائج المتوقعة للأصوات التي ستؤول إلى مرشحيها هناك. علماً أن حماس تعاني مشكلة كبيرة، أعقبت عملية خطف المستوطنين الثلاثة وقتلهم، في يونيو/حزيران الماضي، بفعل الحملة الإسرائيلية الكبيرة التي استهدفت اعتقال مئات من كوادرها، وعشرات من قياداتها البارزة، وهم يشكلون العصب الأساسي لأي قائمة انتخابية متوقعة، فكيف ستتغلب حماس على هذه العقبة، إن واصلت إسرائيل اعتقالهم، فضلاً عن اعتقال آخرين لوضع العصي في دواليب عجلة حماس الانتخابية؟

لكن حماس، كما يبدو، تعتمد على الكتلة الانتخابية الفلسطينية في الضفة الغربية التي تزيد عن ضعفها في قطاع غزة، وتستند إلى معادلة رياضية بسيطة، تقول: إن لم تتمكن الحركة من تحقيق فوز كاسح بين سكان غزة، بفعل العوامل السابقة، وهو أمر يبدو مبرراً، فإن الكفة سترجح لها في التصويت الانتخابي لسكان الضفة الغربية، وبالتالي، يبدو فوز حماس تحصيل حاصل.

أخيراً، تبدو حماس مدعوة للتأمل في النتائج المتوقعة لتوجهها القاضي بدخول الانتخابات الرئاسية والتشريعية، بغض النظر عن إمكانية فوزها فيها، لأنها تعلم جيداً أن إسرائيل والدول العربية، في معظمها، والمجتمع الدولي قاطعوها، وهي تمسك بمفاصل حكومة تدير غزة فقط، فكيف سيكون شكل الحصار القادم والمقاطعة المتوقعة وحماس تترأس السلطة برمتها؟

أكثر من ذلك، ما الضمانات التي تملكها حماس لعدم ولوج الوضع الداخلي في مأزق جديد عاشه الفلسطينيون طوال السنوات السبع الماضية، وهل تملك إجابة سحرية، إذا تواصلت الاشتراطات الدولية للجنة الرباعية للتسليم بفوزها الانتخابي؟

هذه تساؤلات لابد لحركة حماس من الإجابة عنها مسبقاً، قبل اتخاذ قرارها النهائي بالمشاركة الانتخابية، وهي لا تنتقص من حقها الطبيعي بهذه المشاركة، لكنها إشارات تضمن لحماس والفلسطينيين عدم إنتاج الأزمة من جديد، واستنساخ سنوات عجاف عاشوها بين الحروب والحصار ومتاهة المفاوضات.

1CF9A682-2FCA-4B8A-A47C-169C2393C291
عدنان أبو عامر

كاتب وباحث فلسطيني، دكتوراة في التاريخ السياسي من جامعة دمشق، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة، له العديد من المؤلفات والأبحاث والدراسات والمقالات.