حكومة بينت على محكّ سياسات اليمين
في أول عام من ولايتها يشارف على الانتهاء بعد عدة أسابيع، لم تنشغل الحكومة الإسرائيلية الحالية، برئاسة زعيم حزب "يمينا" الصهيوني الديني، نفتالي بينت، فقط في معركة بقائها التي فرضها واقع استنادها إلى أغلبيةٍ بفارق صوت واحد عرضةً للتلاشي عند أي منعطف، بل أيضًا طبّقت سياسات داخلية وخارجية، وبالمصادقة على خططٍ بعيدة المدى، سيما في مجال توسعة الاستيطان الصهيوني، كما ستوضح هذه المقالة في سياقٍ لاحقٍ. وبينما تنهمك تحليلاتٌ كثيرةٌ في استشراف فرص "صمود" هذه الحكومة في وجه عاتياتٍ كثيرة، ينصرف بعضهم نحو وضع ما تمكّنت هذه الحكومة من إنجازه، خلال فترة قصيرة نسبيًا، على محكّ التقييم، وبالأساس عبر المقايسة مع ما كانت عليه الحال إبّان ولايات الحكومات السابقة التي وقف على رأسها بنيامين نتنياهو وحزبه الليكود أكثر من عقدٍ، واتسمت بأنها حكوماتٌ يمينيةٌ صرف.
يحلو لخصوم بينت من الليكود وحلفائه نعت حكومته بأنها "يسارية"، وبأنها أول حكومة إسرائيلية تتحالف بصورة مباشرة مع حزب عربي مستقل، لا يدور في فلك الأحزاب الصهيونية، وهو ليس حزبًا عربيًا فقط، بل إسلامي أيضًا. في المقابل، يثبت أنصار الحكومة، بالوقائع المُجرّدة، أنها يمينية بامتياز، أو على الأقل أنها استمرارٌ لحكومات نتنياهو في كل ما يرتبط بسياستها المنتهجة في الموضوعات الرئيسية الماثلة أمام إسرائيل. وبناء على ذلك، نعتها بأنها يسارية تأويلٌ مُغرض لا أكثر، بل إن بعضهم يعتبره تهمةً لا تمت إلى الحقيقة بأي صلة، في ضوء أن اليسار في إسرائيل لم يعد أصلًا ذا صلة بسيرورتها، سواء في الوقت الراهن أو في الأفق المنظور، وأن وجوده قائم، أكثر شيء، في مخيّلة نتنياهو لأسبابه المخصوصة.
ويظهر فحصٌ في العمق أنه في كل الموضوعات "الحارقة" ما انفكّت سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية بمثابة استمرار لسياسة الحكومات السابقة، مثلًا في كل ما يتعلق بأعمال البناء في المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وبمواجهة المشروع النووي الإيراني، وبالموقف العام من القضية الفلسطينية، وبشكل جوهريّ من حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية .. إلخ. أكثر من ذلك، في بعض تلك الموضوعات يتبنّى رئيس الحكومة بينت مواقف أكثر يمينيةً وصقريةً حتى من نتنياهو، فهو على سبيل المثال رئيس الحكومة الإسرائيلي الوحيد منذ اتفاقيات أوسلو الذي ليس أنه لا يجري مفاوضات مع الفلسطينيين فحسب، إنما أيضًا يرفض عقد لقاء مع رئيس السلطة الفلسطينية، ولو من أجل البروتوكول.
وفي موضوع الاستيطان على وجه التحديد، كانت لحكومة بينت بصمة أكثر يمينيةً وصهيونيةً من كل الحكومات اليمينية التي سبقتها في الأعوام الأخيرة، ولا ينحصر الأمر في أراضي الضفة الغربية. ففي ديسمبر/ كانون الأول 2021 صادقت الحكومة على ما يُعرف بـ "خطّة المليار"، والتي وصفت في موقع رئيس الحكومة الإسرائيلية على شبكة الإنترنت بأنها "خطّة غير مسبوقة للاستثمار في الاستيطان في هضبة الجولان ومستوطنة كتسرين"، وتهدف، وفقًا لما أكّده بينت نفسه، إلى مضاعفة الاستيطان الإسرائيلي في الجولان السوريّ المحتل. وفي مارس/ آذار الفائت، صادقت الحكومة على خطّة إقامة مستوطنات يهودية جديدة في منطقة النقب. وإن دلّت هاتان الخطّتان على شيءٍ فهما تدلّان على أن هناك اشتغالًا واضحًا على موضوع الاستيطان من الحكومة بشكل مختلف عما سبق، بما يسهم في استكمال تأويليّة معنى وعد بينت لدى تسلمه مهمات منصبه بأن تكون حكومته "يمينيةً أكثر من حكومات سلفه بعشر درجات".
ومن الصعوبة بمكان الإشارة إلى مسألةٍ واحدةٍ نجح فيها ما يوصف بأنه "الجناح اليساري" في الحكومة الإسرائيلية في تغيير دفّة السفينة. وبموجب تحليلاتٍ متطابقةٍ، يقوم بينت بما يحلو له القيام به. وفي ضوء ما أومأنا إليه بشأن وعده، يُمكن العثور على مؤشّرات كثيرة تؤكّد تحقق هذا الوعد في التطبيق العملي.