حكاية العنف ضد المرأة في بلادنا
قبل استعراض الأرقام المخيفة، التي نشرتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان عن انتهاكات النظام السوري الرهيبة بحق الإناث بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، دعونا نلمح إلى أن هذه الانتهاكات لا تتعلق بالأنظمة القمعية وحدها، إنما هي ظاهرة ثقافية اجتماعية عامة. جاء في التقرير (61 صفحة) أن 28926 أنثى قتلنَ في سورية منذ مارس/ آذار 2011، مات قسم منهن تحت التعذيب، ولا تزال أخريات معتقلات، ناهيك عن العنف الجنسي الذي يمارس في السجون؛ الاغتصاب. وقال التقرير إن المرأة السورية تعرّضت لمجموعة واسعة من الانتهاكات الجسدية، وواجهت تحدّيات هائلة في الحصول على حقوقها أو احتياجاتها الأساسية (من أطراف النزاع).
حرب النظام السوري على المرأة، برأي محسوبكم، ليست موجّهة إلى المرأة بعينها، وإنما للمعارضين من الجنسين، ولكن السجّانين، على العموم، رجالٌ مكبوتون، ولذلك يرون المعتقلات صيداً سانحاً، يشجّعهم على اغتصابهن أن قوانين أمن الدولة السورية لا رادع فيها للمحققين والسجانين، لا، بل إنها تعفيهم من دم أي معتقل يموت تحت أيديهم. وأزيدك أن المطلوب من جميع السجانين أن يكونوا شرسين، حاقدين، عدوانيين، وإذا وجد سجان طيب، تراه خائفاً، يتصرّف مثل عصفور دوري يخشى القنص.. ولعل القصة التي رواها المرحوم ميشيل كيلو عن المرأة التي حملت، وولدت، وكبر طفلها في المعتقل، تلخص المسألة برمتها؛ أن سجّاناً طيباً اقتاد ميشيل خلسة إلى زنزانتها، في وقت متأخر من الليل، بقصد أن يحكي للطفل حكاية. قال للطفل: كان في عصفور واقف على غصن شجرة، فسأله: شو يعني عصفور وشو يعني شجرة؟ أما حرب المجتمعات العربية على المرأة فاجتماعية، تتسلّح أحياناً بالعقائد الدينية، وأحياناً بالعادات والأعراف الاجتماعية، بدليل أن رجالا كثيرين يرتكبون ما تُعرف باسم "جرائم الشرف" ضد النساء ليسوا متدينين، وعندما يُسْألون، في المحكمة، عن دافع جريمتهم، يقدّمون جواباً موحّداً: غسلنا العار.
لعل من النافل القولُ إن المجتمعات الأوروبية انتبهت، منذ بدايات الثورة البرجوازية، الصناعية، إلى أن النساء قوّة إنتاجية كبيرة معطّلة، فشرعت بتحريرها من القيود، وإطلاقها، فحققت، بذلك، قفزة نوعية، وهذا يعني أن العامل الاقتصادي كان سبباً رئيسياً في التحرّر الاجتماعي، والإنساني. ومن جهة أخرى، تدخلت قوانين الدولة الأوروبية الحديثة لمصلحة الطفل، فمنعت تشغيله تحت سنّ محدّدة... وهذا يقودنا إلى فكرة أرجّحُ أنها صائبة، أننا، أبناء هذا الشرق، إذا اهتدينا إلى طريقٍ سهل، وواضح، وسالك، يؤدّي إلى تطوّرنا، سرعان ما نرتاب منه، لصدوره عن الغرب، ونعرض أمام مَن يسألنا عن سبب وجهةَ نظرنا التي لا تتبدل؛ أن الغرب غازٍ، معتدٍ، استعماري، مستغلّ ثرواتنا، يناصر عدونا. ومن الواضح أن هذه الإشكالية تنجم عن أن أشياء كثيرة جاءت من الغرب: الغزو، واستغلال الشعوب الضعيفة، والعلوم والاختراعات، والثقافة، والفلسفة، والحريات، والديمقراطية، ونحن نرفضه كله، عدا الاختراعات التي نستخدمها حتى في عدائنا له، وهذا خطأ جسيم، أشار إليه علاء الأسواني في أحد فيديوهاته، إذ قال إن حزب الوفد، في أثناء الحكم الإنكليزي لمصر، كان ذكياً جداً، فاستمرّ في محاربة الإنكليز، بوصفهم مستعمرين، طوال فترة وجودهم، ولكنه أخذ منهم الديمقراطية.
أخيراً؛ يركز الإعلام العربي، في أثناء الحروب مع إسرائيل، على أن العدو يقتل النساء والأطفال. وهذا صحيحٌ بالفعل. ولكن، لماذا لا يَذكر الشباب والرجال المدنيين الذين يقتلون؟ هل يعني هذا أننا نسامح العدو بقتلهم؟ أم أننا نريد أن نشير إلى أن النساء والأطفال أناسٌ مستضعفون؟ ومن الذي يستضعفهم؟ نحن أم غيرنا؟ لماذا نفعل ذلك؟ لماذا لا نستفيد مما فعله الغرب في مطلع عصر البرجوازية الصناعية، ونطلق هذه الطاقة المسجونة، المعطّلة، المرأة؟