حرب الخرطوم ضد الجميع

16 سبتمبر 2023
+ الخط -

"الجنرالان ليسا مستعدّين للتفاوض بجدّية. وكلاهما يعتقد أنّ تحقيق انتصار عسكري أمر ممكن. وهذا خطأ في التقدير". (الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة فولكر بيرتس).
***
باستقالة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في السودان من منصبه، تنتهي معركة طويلة خاضتها الخرطوم ضدّ الموظّف الأممي، بلغت حدّ اتهامه بتحريض قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، على خوض الحرب. لم تدّخر الحكومة العسكرية جهداً في الهجوم على الرجل، بين التهديد بطرد بعثة الأمم المتحدة التي يرأسها وإعلانه شخصاً غير مرغوب فيه ومنعه من دخول البلاد، إلى مظاهرات جماعاتٍ إسلاميةٍ تطالب بذبحه.

ومنذ انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أصبحت الخرطوم تتعامل مع بعثة الأمم المتحدة ورئيسها، باعتبارهما عدوّيْن، واتهمته صحيفة القوات المسلحة السودانية بالصهيونية، والعمل على تدمير البلاد.
***
"على المجتمع الدولي ألا يقف مكتوف اليدين ويكتفي بمراقبة الوضع في السودان. السودان يواجه كارثة إنسانية، ويقف على شفا حربٍ أهليةٍ شاملة. تفتيت السودان لن يكون مجرّد انهيار داخلي، بل انفجاراً يؤثر على الدول المجاورة". (الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة فولكر بيرتس).

***
تبدو الحكومة العسكرية في الخرطوم نسخة حديثة من حكومات نظام الرئيس السابق، عمر البشير. لم يتغيّر شيء في تعاطي البلاد مع المجتمع الدولي والإقليمي. ففي عام 2006، طردت الخرطوم المبعوث الخاص للأمم المتحدة، يان برونك، غضباً من موقفه من انتهاكات النظام في دارفور. وكان سبق للخرطوم طرد السفير البريطاني، ومنع عدة موظفين دوليين من دخول البلاد. لكن ذلك كله لم يقدّم أيّ خدمة للنظام أو السودان. انتهت التحديات والعنتريات التي واجهت بها الخرطوم العالم إلى لا شيء. وسقط نظام عمر البشير أمام المظاهرات السلمية.
***
"فولكر بيرتس خطّط وبشراكة خبيثة مع عملاء الداخل لانقلاب 15 إبريل، ووضعوا جميعاً خطّة الانقضاض على القيادة العامة بليل بهيم". (المستشار الإعلامي السابق لقائد الجيش، الطاهر أبو هاجة).
***
رغم تحليل مراقبين بوجود صراع خفي بين بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي للإشراف على العملية السياسية في السودان، إلا أنّ موقف الجيش من الجانبين يكاد يكون متطابقاً، فالجيش لا يرحّب أيضاً بتدخلات الاتحاد الأفريقي ودول الهيئة الحكومية للتنمية (الإيغاد). وكما هدّد بطرد بعثة الأمم المتحدة، فإنه لوّح أكثر من مرّة بأنّه قد ينسحب من الهيئة الحكومية، وقد يوقف التعاون مع الاتحاد الأفريقي.
بالنسبة لقيادة الجيش، أيّ موقف مضاد لسيطرتها على السلطة في السودان هو موقف عدو لا بدّ من التصعيد ضدّه. وهو تصعيد يعتمد على الضغط على رغبة المجتمعين، الدولي والإقليمين للوصول إلى حلّ ينهي حرب الخرطوم، ويوقف معاناة ملايين المدنيين. لهذا يعلم الجيش أنّ المجتمع الدولي لن يكفّ يده عن السودان. وأنه سيقبل بضغط الجيش أملاً في الوصول إلى حلٍّ للحرب التي تهدّد المنطقة كلها.

***
"كلا طرفي النزاع يقاتلان مع انتهاك كامل للقوانين ولقواعد الحرب، ويستهدفان المناطق المدنية بشكل عشوائي". (الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة فولكر بيرتس).
***
ليس هناك مناطق وسطى حسب رؤية الحكومة العسكرية في السودان. فإمّا أن تدعمها بلا تحفّظات، أو تتعامل معك بوصفك عدوّا. لذلك أطلق الجيش السوداني تهديداته وانتقاداته ضدّ الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والوساطة الدولية، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ودول الإقليم مثل كينيا وإثيوبيا.

تتحدّث الحكومة العسكرية عن مؤامرة دولية ضدّ السودان، تشارك فيها دول، ومنظمات أممية، وقنوات تلفزيونية. حتى الصليب الأحمر اتُهم بأنّه موالٍ لقوات الدعم السريع في حربها ضد الجيش، ويهرّب الأسلحة لمصلحتها!
قد تبدو هذه الرؤية الهستيرية للعالم نافعة بقدر ضئيل في بعض المواجهات. لكن المؤكّد أنّها مضرّة على المدى الطويل بوضع البلاد وعلاقاتها الدولية التي تتحوّل إلى نزواتٍ عسكرية.
رحل فولكر بيرتس، وقد تتنحّى كينيا عن رئاسة لجنة "الإيغاد" كما يريد الجيش. لكن ذلك لن يغيّر موقف المجتمع الدولي والإقليمي، بل ربما يزيد الضغط على النظام العسكري الذي يريد إعلان الحرب ضدّ الجميع.