11 نوفمبر 2024
"حارس القدس" .. الدعاية وكبوجي معاً
لم يخيّب صنّاع مسلسل "حارس القدس" عن المطران هيلاريون كبوجي (1925 – 2017) سوء الظن المسبق بهم، فمخرجُه الفلسطيني، باسل الخطيب، كان قد أخفق بجدارةٍ في مسلسلاته عن نزار قباني (2005) وجمال عبد الناصر (2008) ومحمود درويش (2011). وإذا كان في جديده عن كبوجي قد بدا أفضل نسبيا، بناءً وصورةً وإيقاعا، إلا أن المسلسل ظل مضروبا برداءةٍ ظاهرةٍ فيه، عندما أراده الخطيب، ومعه كاتب السيناريو حسن م يوسف، دعائيا لنظامي حافظ الأسد ونجله في سورية، في غير مسألةٍ، وظنّا أن في وسعهما تمرير مقصدِهما هذا من خلال تقديم سيرة شخصيةٍ مناضلةٍ في وزن كبوجي، مع استثمار قضية فلسطين، وفي القلب منها القدس. وفي الوسع القول هنا إن أداء الممثل رشيد عسّاف كان من أسباب شيءٍ من نجاح هذا العمل، مع بعض المهارة في الموسيقى التصويرية، فلولاهما، على ما يحدس صاحب هذه الكلمات متعجّلا، لصار "حارس القدس" في منزلةٍ أدنى مما شوهد عليه.
لم يكن لهذا المسلسل التلفزيوني أن يفلح في إنقاذ نفسه، طالما أنه من إنتاج وزارة الإعلام السورية. ومحسومٌ أنه ليس من مهمّات الوزارة هذه غير الدعاية للحُكم الذي تمثله. وللإنصاف، سبق أن أنجزت المؤسسات الإنتاجية الحكومية السورية أعمالا سينمائية وتلفزيونية ممتازةً وعالية المستوى، حتى من منظور السياسي أحيانا، في عقودٍ مضت، غير أن ذلك الزمن ولّى، وصرنا في حالٍ آخر، من تمثيلاتِه أن مسلسلا يُعنى بنضال هيلاريون كبوجي تبدأ حلقاتُه الثلاثون بفرحة المطران الراحل، في شيخوخته، ب"تحرير حلب من الإرهابيين" في العام 2016. ومن فرط غبطته، يقول إن هذا أسعد خبرٍ سمعه في حياته (!). ومفتتحٌ كهذا في أول حلقةٍ لمسلسل طويلٍ يُنبئك أي مقاصد أرادها كاتبُه ومخرجُه ومنتجُه أن تصل إلى مدارك المشاهدين. وواحدةٌ من هذه المقاصد (أو الأغراض؟) أن يعرف النظّارة أن ربيعا عربيا لم يحدُث، وإنما خريفٌ عربيٌّ بائس. وعندما ينطق بالعبارة هذه المطران كبوجي، في المسلسل، فإن الأمر يصير في منزلة "إذا قالت حذامِ فصدّقوها فإن القول ما قالت حذامِ".
ينبني "حارس القدس" على الذهاب من الحاضر إلى محطّاتٍ من الماضي، وتتناوب مشاهد من الزمنين، في "فلاش باكات" كثيرة وطويلة، غير موفّقة في مطارح غير قليلة. وذلك لحرص السيناريست والمخرج على أن يقدّما إطلالاتهما على المشهد السوري الراهن، من عيونهما المنحازة لرواية السلطة ودعاياتها، ومن منظورٍ يتصوّرانه متفقا مع ما كان عليه كبوجي. وفي الوقت نفسه، ليستعرض المسلسل سيرة المطران من طفولته في مدينته حلب حتى وفاته، مع التركيز على المحطّات الأبرز في رحلته الإنسانية والدينية، سيما اعتقاله في السجون الإسرائيلية في 1974، وكان إبّانها مطران القدس للروم الكاثوليك، بعد اكتشاف أسلحةٍ مخبأة في سيارته، وهو الذي كان ينقل السلاح من لبنان إلى المقاومة في فلسطين المحتلة، بترتيب من حركة فتح (وإشراف من أبو جهاد)، ليُحكم عليه بالسجن 12 عاما، أمضى منها ثلاثة أعوام وثلاثة شهور، ليخرج بتدخلٍ من الفاتيكان، بشروطٍ معينة، إلى روما. شخّص المسلسل هذه المحطّة بتفاصيل مهمة، وتمكّن من تظهير الروح الكفاحية، والبطولية حقا، في المطران. ولا مشكلة في أن السيناريو جعل سرد الوقائع كلها على لسان كبوجي وهو يكتبها، فيما الحقيقيُّ أن الراحل روى سيرته للصحافيين اللبنانيين، سركيس أبو زيد وأنطوان فرنسيس، وأصدراها بعد وفاته في كتاب (دار أبعاد، بيروت، 2018)، وهو الكتاب الذي اعتمد عليه حسن م يوسف وباسل الخطيب في عملهما. إنما المشكلة في المنحى البعثي الأسدي في غير موضع، مع تغييب تفاصيل أخرى، فمن غير الأمانة، مثلا، إغفال اهتمام ياسر عرفات بالمطران، وقد أرسل بعثةً خاصة لاستقباله في روما لمّا تم إبعاده إليها. ولا يجوز إهمال أن زيارة كبوجي الأولى إلى دمشق من روما كانت ليحضر اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني، بدعوةٍ من عرفات، وإنْ ليس مستبعدا أن يكون المطران هاتفَ حافظ الأسد لترتيب الزيارة، على ما شاهدنا في المسلسل الذي يكاد الأسد أن يكون من شخصياته من كثرة ما جاء السيناريو عليه حانيا على المطران، ومهموما بفلسطين وشعبها.
.. نعم، أسّس المطران جورج كبوجي (اسمُه الأصلي) أولى خلايا المقاومة المسلحة في القدس، بعد حرب 1967، ونضالُه من أجل فلسطين معلوم ومشهود، غير أن من الملحّ أن لا يُنسى أنه لم ينتصر للسوريين المظلومين، في ثورتهم ضد نظام العسف والاستبداد، والذين استهدفهم المسلسل التلفزيوني في مشاهد وفيرة، أريد فيها التعمية على أي قولٍ آخر، في غضون احتفاليةٍ مستحقّةٍ بالمطران كبوجي وسيرته.
ينبني "حارس القدس" على الذهاب من الحاضر إلى محطّاتٍ من الماضي، وتتناوب مشاهد من الزمنين، في "فلاش باكات" كثيرة وطويلة، غير موفّقة في مطارح غير قليلة. وذلك لحرص السيناريست والمخرج على أن يقدّما إطلالاتهما على المشهد السوري الراهن، من عيونهما المنحازة لرواية السلطة ودعاياتها، ومن منظورٍ يتصوّرانه متفقا مع ما كان عليه كبوجي. وفي الوقت نفسه، ليستعرض المسلسل سيرة المطران من طفولته في مدينته حلب حتى وفاته، مع التركيز على المحطّات الأبرز في رحلته الإنسانية والدينية، سيما اعتقاله في السجون الإسرائيلية في 1974، وكان إبّانها مطران القدس للروم الكاثوليك، بعد اكتشاف أسلحةٍ مخبأة في سيارته، وهو الذي كان ينقل السلاح من لبنان إلى المقاومة في فلسطين المحتلة، بترتيب من حركة فتح (وإشراف من أبو جهاد)، ليُحكم عليه بالسجن 12 عاما، أمضى منها ثلاثة أعوام وثلاثة شهور، ليخرج بتدخلٍ من الفاتيكان، بشروطٍ معينة، إلى روما. شخّص المسلسل هذه المحطّة بتفاصيل مهمة، وتمكّن من تظهير الروح الكفاحية، والبطولية حقا، في المطران. ولا مشكلة في أن السيناريو جعل سرد الوقائع كلها على لسان كبوجي وهو يكتبها، فيما الحقيقيُّ أن الراحل روى سيرته للصحافيين اللبنانيين، سركيس أبو زيد وأنطوان فرنسيس، وأصدراها بعد وفاته في كتاب (دار أبعاد، بيروت، 2018)، وهو الكتاب الذي اعتمد عليه حسن م يوسف وباسل الخطيب في عملهما. إنما المشكلة في المنحى البعثي الأسدي في غير موضع، مع تغييب تفاصيل أخرى، فمن غير الأمانة، مثلا، إغفال اهتمام ياسر عرفات بالمطران، وقد أرسل بعثةً خاصة لاستقباله في روما لمّا تم إبعاده إليها. ولا يجوز إهمال أن زيارة كبوجي الأولى إلى دمشق من روما كانت ليحضر اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني، بدعوةٍ من عرفات، وإنْ ليس مستبعدا أن يكون المطران هاتفَ حافظ الأسد لترتيب الزيارة، على ما شاهدنا في المسلسل الذي يكاد الأسد أن يكون من شخصياته من كثرة ما جاء السيناريو عليه حانيا على المطران، ومهموما بفلسطين وشعبها.
.. نعم، أسّس المطران جورج كبوجي (اسمُه الأصلي) أولى خلايا المقاومة المسلحة في القدس، بعد حرب 1967، ونضالُه من أجل فلسطين معلوم ومشهود، غير أن من الملحّ أن لا يُنسى أنه لم ينتصر للسوريين المظلومين، في ثورتهم ضد نظام العسف والاستبداد، والذين استهدفهم المسلسل التلفزيوني في مشاهد وفيرة، أريد فيها التعمية على أي قولٍ آخر، في غضون احتفاليةٍ مستحقّةٍ بالمطران كبوجي وسيرته.