جريمة في حضانة

13 يوليو 2023
+ الخط -

من أين يأتون بكل هذه القسوة ضد الأطفال؟

كيف يمكن لسيدةٍ تعمل برعاية الأطفال في إحدى الحضانات أن تتعامل مع طفلٍ رضيع لا يستطيع الدفاع عن نفسه، ولا حتى التعبير عن ألمه، بكل هذه القسوة التي لم أستطع، وغيري كثيرون، تحمّل رؤيتها عبر مقطع الفيديو الذي انتشر هذا الأسبوع؟

أعرف أن مثل هذه الحوادث تحدُث دائما، وأن انتشار التصوير عبر الهواتف الصغيرة هو ما ساهم بمواجهتنا بكل هذا القبح الذي تمتلئ به نفوس بشرية تعيش بيننا وتمارس حياتها كأي كائن بشري من دون أن تبدو عليها علامات الشرّ المطلق. يا إلهي .. عندما انفتح المقطع القصير فجأة بوجهي، وأنا أتصفح بعض الحسابات في منصّة تويتر، لم أستطع تجاوز عيون الأطفال الرضّع وهي تواجَه بمن يعتدي على طفولتها وبراءتها بحجّة الرعاية مدفوعة الأجر. حاولتُ إكمال المقطع، لكنني لم أستطع كعادتي.

كنتُ دائما أتجنّب رؤية هذه المقاطع الموجعة، وأمتن كثيرا لمن يكتب تحذيرا لذوي القلوب الضعيفة ويرفقه بمقطع من هذا النوع. وفي كل مرّة أقرأ تحذيرا لمن هم مثلي، أتجاوز ما يمكن أن يعكّر صفو روحي وأتأكد مجدّدا أن قلبي ضعيف حقا، وأن الفضول الذي يقود الآخرين إلى مثل هذه المقاطع والصور لن يقوى على إغراء ضعفي الحقيقي بالاستمرار. لكنني، هذه المرّة، وقعت في الفخّ، ورأيت المشهد، وإن لم يكن كاملا، لكنني رأيتُ منه ما يكفي لأن يجدّد معرفتي بضعفي وبجبروت بعض البشر إن لم يردعهم رادع ضد الآخرين، حتى لو كان هؤلاء الآخرون مجرّد أطفال بلا حول ولا قوة ولا حتى قدرة على التعبير عن شكواهم بغير البكاء!

لم يستطع بكاء الصغار أن يوقف السيدة عن المضي في التعذيب المعتاد، كما يبدو، ولم يستطع أن يجعل من يراقب ويصوّر أن يتدخّل، حتى وإن كان تصويره مساهمة جريئة في الكشف عن الجريمة لاحقا، إلا أنّ لحظة ارتكابها كانت من القسوة التي تتجاوز كل نيّةٍ صادرةٍ للكشف اللاحق.

في المقطع، بدت سيدة اؤتُمنت على الأطفال، بحكم وظيفتها مشرفة في حضانة للرضّع، وهي تحاول أن تحشر الطعام حشرا مؤلفا في فم الطفل مع صفعات قوية على رأسه الصغير حتى أنه لم يتحملها فقذف ما بجوفه من طعام لم يستطع هضمه، ما جعل السيدة تضاعف من غضبها وتكمل مهمتها في الصفع وحشر الطعام في فمه بوقت واحد وسط ضحكاتٍ من سيدة كانت معها، وإن لم يظهر وجهها في التصوير. أشارت التعليقات الشارحة للمقطع إلى لقطات أخرى لتلك اللقطة بدت فيها السيدة وهي تطعم الرضيع من فضلاته الشخصية، حتى من دون أن تشعر هي بالقرف من تلك الفعلة.

الحادثة التي أغضبت الشارع اللبناني برمته وقعت في لبنان كما اتضح، ومع أن الأمن اللبناني ألقى القبض، وفقا للأخبار اللاحقة، على المرأة التي أقدمت على هذا الفعل، إلا أن الصدمة كانت أكبر من ردود الفعل كلها. لا نعرف من الذي صوّر المشهد وكشف الجريمة، لكن من الواضح أنه تصوير مخاتل، وغير احترافي، ما يدل على أن السيدة أقدمت على جريمتها بطمأنينة محترفي التعذيب، خصوصا وأنها كانت تُحادث، أثناء ذلك كله، امرأة أخرى تجلس معها وتضحك على تصرّفاتها من دون أن تحاول نهرها.

سلوك التعذيب إذن معتاد في تلك الحضانة، وقد يكون منتشرا في حضانات أخرى. وهو ما ينبغي أن يجعل الآباء والأمّهات يفكّرون كثيرا قبل أن يقرّروا إيداع صغارهم في سن الرضاعة بعيدا عن مراقبتهم، بغضّ النظر عن حجم اضطرارهم لذلك، فسلامة أطفالهم في هذا السن المبكّر جدا أهم من أي أمر آخر في الحياة. ولا يمكن تجاوز مثل هذه الحوادث باعتبارها مجرّد حوادث فردية تحدُث دائما وفي كل زمان ومكان؛ فسلامة فلذات الأكباد لا ينبغي أن تكون موضوعا لأي استثناء. ولا رهان عليها.

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.