جدليّات ياسر العظمة
لا أحبّ الحملات التي يشنّها إخوتنا معارضو النظام في سورية على شخصٍ ما، وأبتعد عنها عادة، فغالباً ما تكون شعبوية، يشارك فيها كلّ مَن هبّ ودبّ، حتى تتحوّل إلى نوعٍ من الضجيج. من حقّ الفنان ياسر العظمة، بالطبع، أن يدلي بقناعاته في أيّ قضية تتعلق بسورية، فهو شخصيةٌ عامة، وذو تجربةٍ فنيةٍ طالما حظيت باحترام المواطنين على اختلاف مشاربهم ... لكن ليس من حقّه، في اعتقادي، أن يقول عشرة بالمائة مما يعرفه من وقائع وأحداث، ويخفي التسعين بالمائة الباقية.
قفزَ، في الفيديو الذي نشره أخيراً على قناته الخاصة، فوق الأسباب الحقيقية التي أدّت إلى تدمير سورية، وتهجير قسم كبير من أهلها، فلم يُشر إلى مسؤولية النظام الحاكم، ولا حتى إلى مسؤولية الأطراف الأخرى، المحلية والدولية، فكان حالُه كذاك المُصلح الذي كان غائباً عن بلده، وعاد بعد انتهاء سلسلة معارك طاحنةٍ استمرّت بضع سنوات، وفور دخوله رفع يديه إلى الأعلى، وقال: "يا شباب، لا تنسوا أنّنا أهل وحبايب، حبّوا بعض، محدّش واخد منها حاجة"... إلخ.
لو أنّ الفنان ياسر لم يطرق موضوع المواطنين الذين اضطرّوا لمغادرة سورية، لكان أحسن له، ولتاريخه، فقد بدا وكأنّه لا يعلم أنّ عدَدهم أصبح بالملايين، وأنّ الواحد منهم باع ما فوقه وما تحته حتى وصل إلى بلاد الحرية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان والحيوان ... وقال، وهذا من أغرب ما قال، إنّ اللاجئ السوري في أوروبا يتلقّى الإعانات وهو لا يشعر بكرامته، وهذا خطأ جسيم، لأنّ راتب الفرد العاطل عن العمل الواحد، في ألمانيا مثلاً، 500 يورو، لا يميّز، وهو يقبضها بين العزّ والذلّ، لأنّها تنزل في حسابه (الكونتو) تلقائياً، وحقّ التعلّم له ولأولاده مضمون، وكذلك العمل، بينما يتعرّض الموظف السوري الذي يبلغ دخله الشهري، في المتوسّط 25 يورو، للذلّ إما من معتمد الرواتب، أو من الازدحام في الطابور الموصل إلى كوّة الصراف. ولعلّ من الطريف أن أحكي لفناننا المحترم أنّ أول بطاقة تأمين صحي حصلتُ عليها هنا في ألمانيا، 2015، كانت صالحة لنهاية 2022، وقبل انتهاء صلاحيتها بشهر، كنتُ أسأل ابني عن الإجراءات التي علينا اتخاذها لتجديدها، وإذا بمغلّف بريدي يصل إلينا، وفيه بطاقتا تأمين صحي جديدتان، لي ولزوجتي، صالحتان لثماني سنوات أخرى، يعني لا رحنا ولا جينا، وجواز السفر الألماني، بالنسبة لمن حملوا الجنسية، لا يكلف 50 يورو، وتدخل به إلى معظم الدول، بينما ياسر نفسه، قدّم تمثيلية، أيام زمان، عن المواطن "فاروق النَخْزة"، الذي صاح اسمه موظف الجوازات "خازوق البحرة"! وقذف له جوازه من فوق الحشود.
ومما استغربه الأستاذ ياسر، واستغرابُه غريب، أنّه لم يسمع مسؤولاً واحداً يقول للشباب: لماذا تغادرون بلدكم؟ وهذا دليلٌ آخر على أنه غير متابع حتى لمسألة الهجرة التي تحدّث عنها في الفيديو، فقد تحدّث كثيرون في هذا الأمر، منهم فنان لا يقل عنه شأناً، هو دريد لحام الذي صرح، ذات يوم، أنّه مستعدٌّ أن يذهب إلى الحدود، أو المطار، ليستقبل أيّ فنان سوري غادر سورية، ويضمن أن يوصله إلى داره معزّزاً مكرماً. وكانت تلك مبادرة طيبة، بالفعل، لكن، لو سمع أحدُ الفنانين المهاجرين كلامه، وعاد، وأخذه "شي فرع أمن" وغيّبه تحت الأرض، ماذا بمقدور "أبو الغور" أن يفعل؟ أرسل أحد الأصدقاء إلى دريد رسالة، قال فيها: "أنا أعود، شريطة أن تأتينا بخبر عن الفنان المغيّب زكي كورديللو". وهو لا يستطيع طبعاً.
ثاني التجارب، كانت لوزير إعلام سابق، قال إنّ على مَن يعود إلى سورية، قبل الذهاب إلى داره، أن يقبّل بوطاً عسكرياً. وثالثها العميد عصام زهر الدين الذي قال مخاطباً المهاجرين: "نصيحتي لكم لا تعودوا، إذا القيادة سامحتكم، أنا لن أسامحكم!".