جاذبية أردوغان وسحره

30 مايو 2023

فلسطينيون في خان يونس في قطاع غزة يوزّعون الحلوى احتفالا بفوز أردوغان (30/5/2023/Getty)

+ الخط -

المشهد الذي تجلى عليه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال جولة الانتخابات أخيرا في بلاده، أبرز، بما لا يدعو إلى الشك، زعامة تعلو ولا يُعلى عليها، ليس على مستوى تركيا فحسب، وانما على مستوى قارّي، وكرّس وجود واحد من قادة العالم الكبار، في وقتٍ عزّ فيه وجود مثل هؤلاء القادة الذين توالوا على خشبة المسرح الدولي عقب الحرب العالمية الثانية، وكان بعض منهم من أحرز وزنا يفوق وزن بلده، نظراً إلى ما تمتعوا به من قدرات استثنائية على جبهة التحدّيات وأخذ الزمام وتحقيق الإنجازات اللافتة.
ولعل السؤال الذي لم يبرح عقول كل من تابع الانتخابات الرئاسية التركية وقلوبهم، سيما في جولة الإعادة، هو: من أين استمدّ أردوغان كل هذه الجاذبية التي جعلته يفوز بسبع عشرة دورة متتالية على مدى عقدين متواصلين، وأن يستقطب كل هذه الملايين إلى صناديق الاقتراع، رغم كل ما أحاط به من خصوم وأعداء في الداخل والخارج، وما مرّت به تركيا من مصاعب، كان من المقدّر لها أن تطيح أي رجل يحمل وزر المسؤولية، فما بالك وهذا الرجل الذي ترأس بلداً كان تحت سطوة الجيش، الذي أطاحه أردغان بعد حين قليل (2016).
وأحسب أن أردوغان هو المرشّح الوحيد الذي سقط في استطلاعات للرأي عديدة، إلا أنه فاز في صناديق الانتخابات في كل مرّة، وأنه الزعيم التركي الأوحد من ظلّ يجدّد شرعيته الدستورية عبر الانتخابات، ويعزّز مكانته من خلال شرعية الإنجاز، وذلك عبر نحو ما بدا عليه مسار الرجل منذ توليه عمدة إسطنبول عام 1994، ودحض على طول الخط المستقيم كل ادّعاء رفع ضدّه، بما في ذلك تفرّده وسلطويته وإسلاميّته المتشدّدة، وغير ذلك من أقاويل كثيرة كانت تسقط تباعاً غداة كل انتحاباتٍ خاضها زعيم حزب العدالة والتنمية.
لم تكن أي جولة انتخابية خاضها أردوغان طوال حياته السياسية مجرّد عملية ديمقراطية شكلية على نحو ما يجري في دول العالم الثالث، بما في ذلك بلادنا العربية، بل كانت انتخاباتٍ حقيقيةً من غير شائبة يعتدّ بها، ولعل صورة الانتخابات التي انتظمت أخيرا، وما تميّزت به من كثافة عددية وشفافية ونزاهة لا مراء فيها، خير مثالٍ على ما ينبغي أن تكون عليه الانتخابات في نظام حكم تنتقل فية السلطة سلمياً عبر الصندوق الانتخابي، وليس عبر صندوق الرصاص، بعيداً عن تدخّلات المليشيات والمخابرات، وبمنأى نسبة الـ99%، التي تُثقل ذاكرة كثيرين منا.
ويعود السؤال ليطرح نفسه: من أين يستمدّ أردوغان كل هذه الجاذبية، ومن أين يستمد سحره في عيون الأتراك ومعظم شعوب هذه المنطقة، إن لم يكن ذلك كله من حقيقة إتقانه قواعد اللعبة وقبوله المسبق بنتائجها، ونعني لعبة الانتخابات الحرّة النزيهة تحت رقابة دولية، هذه التي تُفضي إلى نظام حكم ديمقراطي متساوق مع المبادئ والقيم الغربية، أي مع قيم هذا العصر، تماماً على نحو ما التزم به الرجل ذو الخلفية الإسلامية المستنيرة، وفقأ به عين كل من ساق له التهم المعلبة، سواء أتت من خصوم داخليين أو صدرت عن أعداء وكارهين له في المحيط المجاور.
كانت التغطية الإعلامية المكثفة لدورة الانتخابات التركية في مرحلتيها مناسبة جيدة لكثيرين في العالم العربي، سواء من المعجبين بالرئيس أو من كارهيه، لاستذكار ما ظلّ يجري في أقطارهم طوال عقود طوال من مسرحيات انتخابية معروفة النتائج مسبقاً، وتجرّع دفقة كبيرة من الأسى والمرارة على عمق خيباتهم من لعبة الانتخابات المزوّرة، أو قل تجديد البيعة للقائد الضرورة، حتى وإن أتى على ظهر دبابة، أو كان صنيعة غزو خارجي، وحدّث ولا حرج عمن يعتقلون كل من ينوي ترشيح نفسه أمام من اختارته الأقدار لقيادة الأمة في هذه المرحلة المصيرية.
ليس بالضرورة أن تكون من المعجبين بالرئيس التركي، الذي جدّد أول من أمس شرعيته بقوّة، وكرّس زعامته الداخلية، ورفع مكانته الدولية أكثر من ذي قبل، ولا أن تكون من المصفّقين له من دون تبصّر في تداعيات سياسته الخارجية، خصوصا في المنطقة العربيىة، إلا أن أداء الرجل صاحب الخطاب الوسطي المعتدل، نصير المظلومين في بلادنا المبتلاة بالحروب الأهلية والانقلابات المضادّة، وفوق ذلك بديمقراطياتٍ مزيّفة، هو الذي جعل اللاجئين السوريين مثلاً يشاطرون مضيفيهم الأتراك فرحة فوز أردوعان، ودفع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة إلى الاحتفال بهذا الفوز، وتوزيع الحلويات على المارّين في الشوارع.

45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي