ثورة المعارضين المؤيدين للأسد
ملأت "المعارِضةُ/ المؤيدة" نظام بشار الأسد، لمى عبّاس، في الآونة الأخيرة، صفحات التواصل الاجتماعي، بسلسلة من الفيديوهات العامرة بالزعيق، و"القَرْوَشة"، والتذمّر، والتظلّم، مع رصف سلسلةٍ من المصطلحات الثورية، من قبيل: الوطن، وسقف الوطن، وحرية الشعب، وآلام الشعب، وفساد الحكومة، والاعتزاز بالمعارضين الشرفاء، داخل الوطن وخارج الوطن..
حضراتكم، قد تعتقدون أنني أقحمت عبارة "خارج الوطن" على السياق، لمجيئها على القافية. ولكن لا، فالسيدة لمى أكثرت من استخدام ثنائية معارضي الداخل والخارج في خطبها، حتى أوحت لمشاهديها أنها مختلفة عن كل "المعارضين/ المؤيدين" السابقين، الذين يعتبرون المعارضين الخارجيين عملاء، مأجورين، خونة، فإذا أرادوا توجيه رسالة إلى معارض خارجي فرد، يخاطبونه بالضمير "أنتم"، ويضيفون: العملاء لأميركا، وتركيا، والاتحاد الأوروبي، وإسرائيل، المموّلون، الذين تقبضون بالدولار واليورو والشيكل... لهذا كله، كاد زعيق لمى عبّاس ينطلي على قسم كبير من الناس، فظنّوها ثائرة حقيقية، وذهب بعضهم إلى الاستنتاج أن صراخ بعض "المعارضين/ المؤيدين" يشير إلى بوادر ثورة عارمة، ستنطلق ضد نظام بشار الأسد المتهالك في عقر داره. ولكن الناشطين الثوريين الذين يبحرون يومياً في عالم "السوشيال ميديا" عاجلونا بصور تغريدات قديمة للأخت لمى، تتباهى فيها بأنها ضربت الثائرة مي سكاف، في إحدى المظاهرات، وأجبرتها على الفرار (مع جماعتها). ثم أظهرت، عندما توفيت مي، شماتتها بها. وهذا يعني، في المحصلة، أنها ناقدة شرسة لفساد بعض أركان نظام الأسد، فقط، على طريقة أولئك الذين كانوا يستجيرون ببشار الأسد من محافظ حمص، ويهتفون، بحماس كبير: يا أبو حافظ، غَيّرْ لنا المحافظ.
والحقيقة أن معارضة السيد بشّار برهوم نظام الأسد تبدو أكثر منطقية، وتوازناً، وظرفاً، وفكاهة، من معارضة لمى عبّاس وأمثالها، فهو، للأمانة، رجلٌ ساخر، يتمتع بكراكتر تمثيلي فريد. لو كان في سورية محطّة تلفزيونية يديرها رجل ذكي، لتعاقد معه على تقديم فقرة ستاند أب كوميدي يومية، وبأجر مرتفع... تخيّلوا، يقول، في أحد فيديوهاته، إنه يحبّ السيد الرئيس كلما جاءت الكهرباء، ويبغُضه عندما تنقطع الكهرباء، ويصل إلى استنتاج أن بغضه السيدَ الرئيس يمتدّ على القسم الأكبر من اليوم. ولعل الأحلى من هذا أنه؛ حينما تحدّث عن السوريين الرازحين تحت الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، افترض أن جهةً إعلامية ما أجرت استطلاعاً للرأي، ووجّهت إلى كل واحد من المواطنين السوريين المحتلين هذا السؤال: هل تحبّ البقاء تحت نير (وشدّد حرف الراء) الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، حيث راتبُك يتراوح بين 400 دولار و600 دولار، والكهرباء عندكم 24 ساعة على 24، وبتعبّي مازوت قد آ بدك (أي: بقدر ما تشاء)، أم ترجع إلى حضن الوطن، وتقعد بدون كهرباء ومازوت، وبراتب شهري قدره 12 دولاراً؟ وحقيقة أن "معلميّة" بشار برهوم في صناعة الموقف الكوميدي جعلته يتطرّق، في حديثه، إلى حرب حزيران 1967، التي أطلق عليها الإعلام السوري اسم "النكسة"، فقال إن النكسة الحقيقية لا تكمن في الاحتلال بحد ذاته، بل في "الانتقائية الإسرائيلية"، بدليل أن القرية التي يعيش فيها، عين شقاق، لم تكن محظوظة، لذا لم تقع تحت نير الاحتلال الصهيوني الغاشم!
وعلى الرغم من هذا الكم من خفّة الدم، لم يتردّد بشّار برهوم لحظة، في إعلان توقفه عن كلّ أنواع الهجاء والانتقاد لنظام الحكم الديكتاتوري، بعدما وصلت إليه أخبار الحشود العسكرية والاستعدادات الحربية التي يُفهم منها قرب سقوط نظام الأسد، مسوّغاً ذلك بأن الوطن، الآن، وقائد الوطن، والشعب السوري في خطر، والعدوان عليه من أميركا، وتركيا، وإسرائيل، بات وشيكاً. وبالطبع، لا يعتبر ما فعلته روسيا وإيران بالشعب السوري خطراً، أو عدواناً، فالمثل الشعبي، في مثل هذه الحالة يقول: عدوان عن عدوان يفرِق، وشعب عن شعب يفرِق.