تونس بلا زعيم

17 ديسمبر 2022
+ الخط -

توفرت للرئيس التونسي، قيس سعيّد، فرصتان لفهم التغييرات الجارية في العالم، وهو الذي لم يسبق له أن مارس السياسة، ولم يلتق بأيٍّ من صانعي القرار على الصعيد الدولي. فرصتان نادرتان قد تسمحان له بوضع تونس في سياقها الجغرافي السياسي.

تمثلت الفرصة الأولى في لقاء القمة الخليجية الصينية في الرياض، وكان محورها الصين، القوة الصاعدة التي تعدّها الولايات المتحدة عدوها الاستراتيجي خلال المرحلة المقبلة. هذه القوة التي تعمل على تعبيد طريق الحرير، وتعمل على استقطاب الدول النامية بطريقتها الناعمة. ولم يخف الرئيس التونسي رغبته في الاقتراب أكثر فأكثر من الثنائي المزعج لأميركا وأوروبا، ممثلا في روسيا والصين التي عرضت عليه قرضا لا يتجاوز فائضه 2 % لإنجاز مشاريع في مجال البنية التحتية. لهذا السبب استجاب الرئيس سعيد لدعوة ولي العهد الأمير سلمان، وأيد البيان الختامي الذي أكد على وحدة الصين وحقها الكامل في تايوان.

أما الفرصة الثانية فهي معاكسة تماما في أهدافها ورهاناتها، حيث شارك في واشنطن في القمة الأميركية الأفريقية. وكان واضحا منذ البداية أن قيس سعيّد لم يكن مرتاحا خلال هذه الزيارة. ففي وقت استضاف فيه الرئيس الأميركي بايدن رئيس الوزراء المغربي، عزيز أخنوش، في البيت الأبيض لمشاهدة مباراة كرة القدم التي جمعت المغرب وفرنسا، كلف وزير الخارجية أنتوني بلينكن بعقد جلسة عمل مع الرئيس التونسي والوفد المصاحب له، حيث وجد سعيّد نفسه في حالة دفاع عن نفسه وعن سياساته المثيرة للجدل. ورغم تأكيد الطرفين على دعم العلاقات بين البلدين، إلا أن الخلافات كانت واضحة وعميقة. تمسّك سعيّد بمنهجه في إدارة الحكم، واتهم كعادته معارضيه بالتآمر وتخريب الدولة. أما الإدارة الأميركية فقد تعمّدت أن توجّه إليه رسالتين سلبيتين لتونس قبل مغادرته واشنطن. تمثلت الأولى في سحب ملف تونس من جدول أعمال جلسة صندوق النقد الدولي في 19 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، حيث كان يفترض توقيع الطرفين عليه. وهو إجراء خطير نزل كالصاعقة على رأس الحكومة وجميع الذين عملوا طيلة المفاوضات مع الصندوق من أجل التوصل إلى اتفاق يسمح لتونس بالحصول على دفعة من القرض قبل نهاية السنة الحالية. مع ذلك، لم يكن الملف التونسي مقنعا، خصوصا أن رئيس الدولة رفض التوقيع على ما راهنت عليه حكومته التي لا تملك من أمرها شيئا، ولا تُقدم على أي خطوة إلا بعد أن تتلقى الضوء الأخضر من رئاسة الدولة، بالإضافة إلى إعلان الاتحاد التونسي العام للشغل عن مناهضته مضمون لاتفاق.

أما الخبر الثاني، فيخص إقدام وزارة الخارجية الأميركية على حذف تونس من قائمة الدول المدعوة إلى المشاركة في قمة الديمقراطية، بعد أن كانت هذه القمة ستلتئم في تونس. وهو الطابع الرمزي لهذا الإجراء، إلا أنه يحمل في طياته معاني كثيرة، أهمها أن واشنطن اقتنعت بأن تونس غادرت المربع الديمقراطي أو في طريقها نحو مغادرته.

هكذا يتواصل التخبّط الإستراتيجي، حيث تسير البلاد بدون بوصلةٍ تحدّد لها الأهداف والخطوات والحلفاء والأعداء، فما يحصل على الصعيد الدبلوماسي يعكس، إلى حد كبير، ما يجري على المستويين، السياسي والاقتصادي، فسحب ملف تونس من أولويات صندوق النقد أضرّ كثيرا بصورتها في العالم. ومن جهة أخرى، لا يمكن مقارنة زيارة الرئيس بورقيبة واشنطن في 1961، حيث نظمت له جولة في شوارع واشنطن صحبة الرئيس كينيدي، حيا خلالها المواطنين الأميركيين الذين استقبلوه بحماس كبير وهو في السيارة المكشوفة، والاستقبال الذي خصص للرئيس سعيّد، والذي لم يحظ حتى بجلسة بروتوكولية مع الرئيس بايدن.

تغيرت أشياء كثيرة بين المرحلتين. سألتُ أحد الدبلوماسيين التونسيين القدامى عن أسباب ذلك، لم يتردّد في إجابته، وقال: لم تعد تونس تملك زعيما كارزماتيا له وزن وبعد نظر. لم تصنع البلاد شخصية قيادية جديدة، رغم تعلق التونسيين بفكرة الزعيم وصورته. آخر محاولة في هذا السياق تمت مع الباجي قايد السبسي، لكنها لم تذهب بعيدا، وخلفت وراءها فراغا كبيرا.

266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس