تغريد الغبرا .. سيرة حياة شائكة

27 سبتمبر 2021
+ الخط -

في كتابها "عندما يكون امتلاك العقل عبئا" (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2021)، تسرد الأكاديمية  تغريد القدسي الغبرا أرملة المناضل والأستاذ الجامعي، شفيق الغبرا، سيرة حياة استثنائية. يعرفنا أول فصول الكتاب، وعنوانه "مسقط رأسنا القدسي"، على ملامح تلك المرحلة التي تميزت باعتناق المقاومة سبيلا للخلاص من بطش العدو الصهيوني الذي سلب الأرض وشرّد الأهل وشتّت المصائر، ومع ذلك ظل حلم تحرير الوطن ماثلا في وجدان الأهل في شتاتهم، كما ظل أمل العودة إلى الوطن باقيا في نفوس الجدّات والأجداد الذين هجروا قسرا. تتناول تغريد الغبرا، في كتابها الذي ينتمي إلى أدب السيرة، مفاصل مهمة من تاريخ المنطقة مثل نكبة 48، هزيمة حزيران، الحرب الأهلية في لبنان، أيلول الأسود، اجتياح بيروت، احتلال الكويت، أحداث 11 سبتمبر، وغيرها من أحداث كبرى. تكتب الغبرا في المقدمة إن الكتاب عن تجربتها عبر السنين، سيدة كويتية ذات جذور فلسطينية عميقة، وتؤكّد أنه تعبير عن تجربة ذاتية وإنسانية بحتة، ولا يجب النظر إلى ذلك السرد تحليلا سياسيا، بل حوار شخصي دائم مع نفسها ومع الآخرين. وترى أن بالإمكان الاستفادة من تجربتها، لخصوصية الحكاية، كونها تحمل الهوية الفلسطينية إلى جانب الكويتية. 
تتناول الكاتبة في مؤلفها دراستها في الكويت، منذ الابتدائية إلى المرحلة الجامعية، وقصة تعرّفها على زوجها الراحل، أخيرا، شفيق الغبرا، وإقامتهما في بيروت، في مرحلة دقيقة من تاريخ المقاومة الفلسطينية والحرب الأهلية في لبنان، وتسلّط الضوء على تجربة الكتيبة الطلابية هناك، ودور زوجها القيادي والمؤثر في الأثناء. وجاء الكتاب على ملامح العلاقة الوثيقة بالوطن الثاني، الكويت، وعمق الأثر النفسي الذي أحدثه الاحتلال الصدّامي على أبناء الجالية الفلسطينية، إضافة إلى الضرر المعيشي والاقتصادي والاجتماعي الذي ترتّب على اضطرارهم لمغادرة الكويت بعد التحرير. وتخصص الكاتبة حيزا كبيرا لسيرتها الأكاديمية في الكويت وبيروت وأميركا، وتقدّم نموذجا للمرأة العربية المكافحة، صاحبة الشخصية القوية المحبة لزوجها، الرافضة في الوقت نفسه، أن تبقى في الظل، المصرّة على حقها في التعبير، وفي المشاركة في اتخاذ القرار، انطلاقا من إيمانها بالأدوار العديدة التي تؤديها في الحياة زوجة مثقف كبير، امراة عاملة، رفيقة نضال، أم، أكاديمية. 
وتركز تغريد في كل المراحل على أهمية التحصيل الأكاديمي والإنجاز المهني بالنسبة للفلسطيني، خصوصا بالنسبة للمرأة الفلسطينية التي طالما وقع عبء الاعتناء بالأسرة على كاهلها، بسبب استشهاد الزوج أو اضطراره للابتعاد عن الأسرة سعيا إلى الرزق. وبذلك، يمكن اعتبارا هذا الكتاب تعبيرا عن التجربة الفلسطينية النسوية في مرحلةٍ شهدت تحوّلات جذرية أثرت على أبناء تلك الحقبة وبناتها. ويلمس قارئ الكتاب مدى تعلق الكاتبة بوطنها فلسطين الذي لم تزره سوى مرة، وكذلك صدق عمق انتمائها إلى الكويت، حيث تشكّلت شخصيتها، وتعمّقت خبراتها الحياتية. ويلمس أيضا مقدار الحنين إلى بيروت، المدينة التي عاشت فيها نحو خمس سنوات، ومدّتها بتجارب إنسانية وخبرات حياتية كثيرة. ولا تغفل تغريد الحديث عن تجربة الأمومة، وهي المهمة الأسمى والأجمل في حياتها. كما تعرّفنا، من خلال الصفحات على شخصية شفيق الغبرا، المبدئي المثقف والمناضل، لنرى كذلك الجانب الإنساني الحميم منه، أبا وزوجا وصديقا ورفيق نضال. 
كل الشكر للدكتورة تغريد على منجزها السردي الذي يوثق لحكاية أسرة مناضلة، دفعت الكثير ثمنا لمواقفها المناصرة لحرية الأوطان والشعوب.

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.