تعقيب... المثقفون الفلسطينيون والثورة السورية

25 ديسمبر 2016
+ الخط -
ليس دقيقاً ما كتبه نصري حجاج في "العربي الجديد" (23/ 12/ 2016) إن المثقفين الفلسطينيين، إلا القلة، خذلوا السوريين في ثورتهم، وإنْ ألمح إلى أن هؤلاء في داخل الأراضي الفلسطينية. ومع الوجاهة المؤكّدة لغضب الكاتب من الحالة التي يعبّرون عنها، حيث كان متوقّعاً أن يقف مثقفو فلسطين قبل غيرهم إلى جانب الشعب السوري وطموحاته في التحرّر، على ما كتب محقاً، فإن التعقيب الممكن على هذا أن الخذلان المتحدّث عنه مارسه مثقفون فلسطينيون قليلون، وإنّ الحالة الأوضح هي مساندة الكتّاب وأهل الفكر والأدب والفنون الفلسطينيين الشعب السوري في محنته، وفي ثورته، وفي مناوأة نظام الطغيان الحاكم في دمشق، وإنْ بدا أن أصوات أولئك المصطفّين مع النظام أعلى أحياناً من أصوات غيرهم، وإنْ يتصدّر نفرٌ منهم مواقع في تكويناتٍ أهلية ورسمية. وليس مسوّغاً تقسيم حجّاج المثقفين الفلسطينيين إلى من هم في داخل الوطن ومن هم خارجه، فيخصّ أولئك بغضبه وانتقاده، فيما لا يلتفت إلى الإسهامات الثمينة التي بادر إليها مثقفون فلسطينيون كثيرون، في خارج الوطن، في الانتصار للثورة السورية وناسها، وفي تعرية النظام القاتل، وكشف هشاشة مقولة الممانعة التي أقام عليها أولئك خرافاتهم. 

ويحسُن تذكير نصري حجّاج بما يعرفه، وموجزه أن كثيرين (من القلة) ممن كتب أنهم خذلوا الشعب السوري لا يستقيم وصفهم مثقفين حقاً، فليس كل من نشر ما يظنّها قصائد أو قصصاً في مطرحٍ هنا وهناك يصدق عليه هذا الوصف. وليس من التعسّف هنا التنويه إلى أن واحداً أو اثنين، في الأراضي الفلسطينية، ممن قصدهم صاحبُنا، لهما سويّة إبداعية تيسّر تصنيفهما مثقفيْن، ذلك أن لهذه التسمية اشتراطاتها، على صعيدي المنجز والفاعلية، أي الإسهام المعرفي والإبداعي والحضور في مسار الثقافة الفلسطينية العريض والمتنوع. ولذلك، تاهت بعض سهام حجّاج عن مقاصدها، مع التسليم، هنا، بأنه يثير فائضاً من الأسى أن شاعراً مقيماً في رام الله، له مكانته الإبداعية، يُعلن حزنه على كلبه الذي مات، فيما يضنّ على أهل حلب بأي كلمة تعاطفٍ، ولا يرى في وقائع القصف والتهجير التي نكّلت بالمدينة السورية العتيدة غير حربٍ ضد التكفيريين وقطّاعي الرؤوس.
وإذ تذكّر زميلنا في هذه الزاوية زيارة كاتبيْن فلسطينيين دمشق، تضامناً مع النظام فيها، في غضون محدلة التمويت التي يواظب على اقترافها، فإن صاحب هذه الكلمات يذكّره هنا بمقالات وكتابات وتعليقات ليست قليلة، في الأراضي الفلسطينية وخارجها، ندّد أصحابها بتلك الزيارة البائسة. على أن الأدعى هو أن لا يغفل حجّاح عن أن مثقفين فلسطينيين رفيعي المكانة أنجزوا مساهماتٍ فكرية وتحليلية على مقادير عالية من القيمة، في شأن الثورة السورية، من باب الانتصار لتطلعاتها إلى التحرّر من نظام الاستبداد والفتك والإبادة. ومن ذلك ما قدّمه عزمي بشارة في مطالعاتٍ ومداخلاتٍ عن الحالة السورية، وكذا كتابه "سورية... درب الآلام نحو الحرية" (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013). ولا يمكن إغفال المرافعات التي يواظب عليها سلامة كيلة، كما في كتابه "ثورة حقيقية.. منظور ماركسي للثورة السورية" (دار نون، 2014). وثمّة الدور الذي اضطلع به ماجد كيالي في غير منبر عربي، وفي انشغاله بموقع فلسطين وأهلها في ثورة الشعب السوري، كما فعل في كتابه "قيامة شعب.. قراءة أولية في دفتر الثورات العربية" (دار جداول، 2013). ولا يُنسى ما يواصله خالد الحروب في مطارحاته، وهو الذي كتب في مؤلفه "في مديح الثورة.. النهر ضد المستنقع" (دار الساقي، 2012) إن الثورة السورية أيقونة ثورات العرب وأصعبها طريقاً وأشدّها جسارة. وإلى هذه الأسماء المقدّرة، ثمّة مثقفون فلسطينيون عديدون ذوي جدارة، في الوطن وخارجه، جهروا بالحقّ السوري منذ صيحة أطفال درعا في ربيع 2011، بينما كان أصحاب التشبيح الراهن، ممن يظنون أن ثمّة سوقاً لدروسهم الراهنة عن الإرهابيين وقطّاعي الرؤوس والداعشيين، ينحازون إلى نظام الطاغية، ولم يكن قد طرأ على الأرض السورية أيٌّ من هؤلاء، أي منذ أولى المظاهرات في درعا وحمص وحماة..
صديقي نصري: لا يستحق أيٌّ من هؤلاء إتعاب البال به، والانشغال بخرافاته وثرثراته، فثمّة الكثير من المضيء لدى مثقفين فلسطينيين حقيقيين في إنصاتهم إلى الألم السوري الدامي.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.