تصنيف فيلم "حياة الماعز"
يُذكّر النصّ من طرف براوية "الفراشة" لهنري شاريير، التي أُخذ عنها فيلم له الاسم نفسه، وحبكته هي حبكة المُتّهم البريء. وبطل "أيام الماعز" نجيب محمد أبرأ من "بابيون" وأطهر، فهو مُجرَّد عاملٍ مكفول، وقع بين براثن الكفيل الخطأ، بديلاً من مكفول آخر نجا من التعنيز.
الفيلم هندي إنتاجاً وتمثيلاً، لكنّه بُرّئ من خصائص الفيلم الهندي من استعراضات وغناء ورقص (وفيه غناء)، فالعقل الهندي يحافظ على خصوصياته في الفيلم مُهذَّبة، والتهذيب على تمامه في "المليونير المُتشرّد"، ومن خصائص الفيلم الهندي حكاية نمطية من حكايات الجَدّة، وبطلَين وسيمَين فريدَين في حُسنهما بين أبناء جنسهما، وحقبة، وقطار (في الفيلم قطار)، وشتات، ثمّ نهاية سعيدة، ثمّ أغنية الفيلم الختامية.
قد يصنّف الفيلم من الأفلام الثورية، مثل "الجذور" وهو مسلسل، فنجيب هو نظير كونتا كونتي المخطوف من أفريقيا، غير أنّ نجيب جاء "بظلفه" إلى البادية العربية بعد رهن بيته واستدانة ثلاثين ألف روبية للوسطاء، فانتهى عبداً أو أقلّ منه، أمّا الشبح الرهيب، فهو نظير "فيدلر" في الجذور، وفيدلر ألطف من الشبح العجوز الذي يموت في الفيلم، أمّا في رواية "أيّام الماعز" فيهرب، وقد عوقب كونتا كونتي بقطع قدمه لهربه، وكذلك كسر الكفيل الظالم ساق نجيب، فأعرجه. جزيرة العقاب في الفراشة اسمُها جزيرة الشيطان. أمّا البادية، فقد سُمّيت بالبيداء لأنّها تُبيد من فيها.
الفيلم عند كاتب السطور من أفلام "الهروب من السجن"، وقد صنّف لدى آخرين من أفلام "البقاء على قيد الحياة". كانت رواية الفراشة سبباً في إلغاء حكم الإعدام في فرنسا، وقد تكون حياة الماعز سبباً في نسخ نظام الكفيل الجائر في الخليج.
أفضل أفلام الهروب من السجن "الخلاص من شاوشانك"، وكان غابرييل غارسيا ماركيز معجباً برواية ألكسندر دوماس "الكونت دي مونت كريستو"، وعدّها أفضل رواية قرأها، ومعجزةً حكائيةً، لأنَّ مؤلفها جعل بطلها ينتقل من دركة السجن إلى ذروة الشرف المصمّد، وهي قصّة مقتبسة من قصّة النبي يوسف عليه السلام، وقصّة شاوشانك نسخة مُحدَّثة منهما.
ويظنُّ أنَّ مؤلفها أراد أن يقول في عنوان الرواية "أيامي الماعزية"، وغلاف الرواية الأصلي صورة لإنسان ممسوخ عنزةً، والفيلم مقتبسٌ من رواية بنيامين، أنتج عنها فيلم بخصائص هندية مُحدّثة، الأغنيات لا يغنيها البطل، وإلّا أفسد واقعية الفيلم، الموسيقى التصويرية وألحان الأغنيات لموزارت آسيا الموسيقار الهندي آ. ر. رحمن، الحاصل على جوائز عالمية، وهو ملحّن موسيقا أكثر من ثلاثمائة فيلم هندي، والبطلان وسيمان قسيمان، غير أنّه ليس في فيلمنا مطر، وقد استغنى الفيلم عن مشهد المطر في الرواية بمشاهد النهر، مع أنه كان أميناً لوقائعها.
تبدأ الرواية بصنعة الخطف خلفاً، لكن الفيلم يتأخّر بها، إلى حين وقوع بطلها في الأسر، فيستأنس بتذكّر مشاهد استخراج الرمل من النهر في الوطن الظليل، فتصير مشاهد النهر وعناق الحبيبة مستراحاً للمشاهد أيضاً، يفيء إليها من قسوة مشاهد الرمل والعطش وجلافة الأعرابي الكفيل شديد القهر والإرصاد الذي يذكّر بسجّان الباستيل، الفيلم طويل وتجيزه ساعة، وليس في الفيلم طرائف سردية نجدها في النص، مثال ذلك التسميات التي يطلقها على "عائلته" من البهم، الكاتب وإن كان مبتدئاً، فإنّ صدق تجربته جعل روايته تتجاوز 150 طبعة، وهي تحفل بالتعليقات الطريفة والساخرة.
يسمّي السرد الكفيل "أربابي"، والوصف أقوى دلالةً وأشدّ أثراً من لفظ الكفيل، وأربابي خاصٌّ بالهنود المكفولين، وتعني أرباب العمل. البطل تقي، نقي، كريم، حيي، يكافئ مضيفه من مومباي بإهداء ساعته له. لقد بُذل مال كثير على فيلم "ملك الرمال" لنجدت أنزور، فحُبس ومُنع من النشر والعرض، وقُيّض لهذا الفيلم الانتشار حتّى تصدّر الترند، وأهاج قوماً إلى إيذاء المُمثّل العُماني الذي شخّص الكفيل، وأولى لهم الاتعاظ بعبرة الفيلم. لكن أليس غريباً أن تكون الهند أغنى البلاد بالقصص والبشر، وتكرّر سينماها حكايات نمطية نجت منها هذه الحكاية التي تجري وقائعها في الصحراء العربية، وحظيت بقبول حسن، بل مبالغ فيه لأسباب سياسية.