تحية إلى إدريس الخوري
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
اختار إدريس الخوري، الذي رحل قبل أيام، اسمه الأدبي هذا وعنوان كتابه الأول بحرص شديد. جمع في اسمه ولقبه بين مشرق الوطن العربي ومغربه. فإذا كان "إدريس" اسما مغربيا عريقا، فإن الخوري اسم لبناني (أو شامي عموما)، وكم كانت بيروت ومجلاتها الأدبية الرائدة ودور نشرها تدغدغ أحلام الشباب المبدعين في ذلك الوقت. كان إدريس الخوري من جيل الستينيات الذين أوصلوا الأدب المغربي إلى المشرق العربي. ويعدّ من أوائل الذين نشروا في مجلة الآداب البيروتية، مثل محمد شكري ومحمد زفزاف، وهم "الثلاثي" الذي تُذكر أسماؤهم في العادة معا. وهذا ما جعل الباحث يوسف توفيق يكتب في صفحته الزّرقاء بعدما نُعي الخوري: "وداعا إدريس الخوري ثالث ثلاثة"..
وكما اختار اسما ولقبا أدبيا دالا، اختار كذلك بحرص عنوان مجموعته القصصية الأولى "حزن في الرأس والقلب" (1973)، وهو عنوان يتناوب فيه الشّعور الوجداني والذاكرة، فإذا كان حزن القلب فيزيولوجياً ووقعه شديدا، فإنه لا يلبث أن يتلاشى رويدا رويدا، لتشقّ الحياة طريقها، فيما يظلّ حزن الذاكرة مقيما ما دام في هذه الذاكرة نبض. ويقترن ذكر إدريس الخوري بالحياة ونبضها، ليس في القصّة فقط، بل أيضا في المقالات التي كان يكتبها يوميا، فقد ظلّ عموده اليومي في صحيفة الاتحاد الاشتراكي من أشهر الأعمدة في الصحافة المغربية، بل كان بمقدور إطلالته اليومية هذه أن تُعلي قدْرَ فلان وتحُطّ من قدْر علان، لشعبتيها واتساع دائرة قرّائها. إذ إن الخوري، بالإضافة إلى ريادته في القصة القصيرة، في العالم العربي وليس في بلده المغرب فقط، كان أيضا صحافيا بأسلوب رشيق وممتع، يمكن قراءة مقتطفات منه في كتاب "فم مزدوج"، (دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 2009). وكان في مقالاته منفتحا على الجيمع ولم يكن محليا مغلقا، لذلك كسب محبّة مختلف الكتاب في الوطن العربي. أتذكّر مثلا أنه كان يكتب عن كل عدد يصدُر من مجلة كلمات البحرينية، وخصوصا عن أعدادها الأولى، كما أنه كتب عن مبدعين عُمانيين شباب.
يختلط أحيانا اسم إدريس الخوري بالقاص المصري يوسف إدريس، ولكن لمَ الارتباك؟ لأنه إذا كان إدريس أحد الأقلام المُجدّدة في القصة العربية، فإن الخوري له أهميته في هذا الجانب، مع فرق تقنيّ، أن إدريس كان يهتمّ بالصياغة التشيكوفية، التي تُعني بـ"القفلة" المُفاجئة. ما عدا ذلك فإن الكاتبَين كانا يستلهمان متخيّلَهما القصصي من الطرقات ومن القاع والهامش والاهتمام بما "لا يفيد" في ظاهره والخارج عن الحسابات "الكبيرة". ولا غرو، والحال هذه، أن تشبه حياة إدريس الخوري كتاباته، بسيطة ومباشرة، ولكن تلك البساطة العميقة والمباشرة الهادفة.
وكان من حسن حظي أني قرأت بعض قصصه قبل زيارتي للمغرب في بداية التسعينيات للدراسة، إضافة إلى قصص محمد زفزاف ومحمد شكري، ويمكن القول إنّهم يشكّلون "ثلاثي القاع"، وكانوا من "أساتذتي" في كتابة القصة ولو من بعيد. لم ألتق زفزاف مع الأسف، أما شكري فكنت أبادله التحية حين أصادفه في مقهى باليما بالرباط أو في وادي المخازن في أصيلة مع الأصدقاء. أما إدريس الخوري فقد تعدّدت لقاءاتي به، والسبب اثنان يحملان، للطرافة، الاسم نفسه، الشاعر إدريس علوش، حين كان يفد من أصيلة إلى الرباط ويمكث فيها أياما قليلة. كما التقيته برفقة أستاذي الجامعي المرحوم إدريس بلمليح الذي ظلّ يكن تقديرا كبيرا وخاصا لقصص الخوري، وقد أخبرني قبل رحيله أنه أسّس دار نشر، وكانت أولى بشائرها جمع الأعمال القصصية الكاملة لإدريس الخوري، وطبعها على نفقة وزارة الثقافة المغربية.
بسبب هذه البساطة، صار لإدريس الخوري أصدقاء يصعُب حصر عددهم عبر ربوع العالم العربي والمنافي الأوروبية والأميركية. ومكانته بين الكتاب والأدباء المغاربة محفوظة، أتذكّر مرة كنت في معرض كتاب الدار البيضاء، حين أعطاني الصديق حسن أغلان، وهو مسؤول إداري في المكتبة الوطنية بالرباط، كتابا بعنوان "باإدريس" طبعته المكتبة الوطنية نفسها، وساهم في الكتابة فيه كتّاب مغاربة من مختلف الأجيال، يعبّرون فيه عن حبّهم لهذا المبدع الذي لم يكن عاديا.
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية