بين قمّة العرب وانتخابات إسرائيل

12 نوفمبر 2022
+ الخط -

من عجائب المصادفات أن انعقاد القمة العربية في الجزائر تزامن مع الانتخابات الإسرائيلية، فكلاهما انطلقا يوم الثلاثاء فاتح نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وأعلن عن نتائجهما في اليوم التالي. وإذا كانت نتيجة القمّة العربية البيان الختامي، حيث أقرّ القادة العرب ما سمّي إعلان الجزائر، عدا الاسم الذي يصدُق فيه المثل العربي "أن تسمع بالمعيدي خيرٌ من أن تراه"، فنقول في حقه "أن تسمع بإعلان الجزائر خير من أن تطلع عليه"، فهو مجرد بيان ختامي لا يرقى إلى أي إعلان، فلم يعلن شيئا، ولم يأت بأي جديد سوى ما عهدناه من بيانات القمم السابقة من قول مطروز وكلام معسول، غالباً ما تبدأ فيه الجمل بالتأكيد والتشديد والتنديد، وتنتهي بالعهود والوعود وحُلم النصر الموعود.

ليس مهما ما جاء من متفرّقات إخبارية جاءت في البيان لإرضاء الأطراف المشاركة، ولنقف على ما جاء في صدر البيان الذي أكّد مركزية القضية الفلسطينية والدعم المطلق لحقوق الشعب الفلسطيني، والالتزام بالسلام خياراً استراتيجياً لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، مع التمسّك بمبادرة السلام العربية التي مرّت على طرحها عشرون سنة، من دون أن تعير لها دولة الاحتلال أي اهتمام، وكيف تعير لها العناية اللازمة، وهي تخيّرها بين خيارين، السلام أو السلام، بمعنى إذا شئتم ردّوا لنا أراضينا المحتلة مقابل السلام، وإذا لم تشاؤوا ولم تفعلوا، فاعلموا أننا لا نملك خطةً أخرى غير السلام، فهي خيارنا الواحد والوحيد والأوحد. لن نذهب إلى أبعد من ذلك، لأننا أصبحنا شتاتا كما كنتم، فقط كنتم شتاتا بمنطق التاريخ والجغرافيا، ونحن شتات ولو أننا مجتمعون بمنطق الحاضر والسياسة. أقصى ما يمكننا فعله تجاهكم هو التصعيد، طبعا التصعيد القولي واللفظي والشفهي، هو التصعيد في الكلام وفي لغة التنديد، وهو أحسنُ ما نتقن وما نملك. أما التصعيد الفعلي فلا طاقة لنا به، ولا قدرة لنا عليه، بل بعضنا مستعدٌّ للتحالف معكم جهرا، وبعضنا الآخر سرّا، أما الباقي فقد أصبح خبيرا في سلاح الصواريخ اللفظية، فلا فُضّت الأفواه.

اختار المستوطنون من أبناء دولة الاحتلال إعطاء الأغلبية لمعسكر الأحزاب اليمينية المتطرّفة، الأكثر عنصرية وفاشية منذ تأسيس دولة الاحتلال

في المقابل، جاء الجواب من دولة الاحتلال فعلاً لا قولاً، عبر نتائج انتخابات قيل إنها ديمقراطية في دولة من دون دستور، وكم غيّر العرب دساتيرهم إمعاناً في عدم تطبيق الديمقراطية، وحرصاً منهم على وأد كلّ أجِنّتها بعد إجهاضها، خصوصاً إذا اشتمت رائحة التدين فيها، فلا يحق للأحزاب أن تستعمل الدين، لأن الدين ملك للجميع، واستعماله منافٍ للديمقراطية في بلدان قامت أغلب دولها على حركاتٍ دينية إصلاحية، أما في إسرائيل فالأحزاب الدينية جزء من الديمقراطية المتنوّرة التي تسمح للجميع بإسماع صوته، وجعلت البلد يذكر كمثال للديمقراطية، فهو الوحيد في منطقةٍ تخشى من الديمقراطية وتحاربها، ولو كانت لا دينية علمانية، فكيف إن جاءت بعمامتها ولحيتها، ورفعت شعار الحرية والعدالة وشعار تحرير فلسطين.

نتائج الانتخابات الإسرائيلية صفعة للقمة العربية ولبيانها، فهي تعرف أن قمة لمّ الشمل لم تزده إلا تفريقا، وأن البيان والخطب مجرّد كلام. وعليه، اختار المستوطنون من أبناء دولة الاحتلال إعطاء الأغلبية لمعسكر الأحزاب اليمينية المتطرّفة، الأكثر عنصرية وفاشية منذ تأسيس دولة الاحتلال، تلك الأحزاب التي تدعو جهاراً إلى طرد العرب وتطبيق الشريعة الموسوية في مملكة "أرض إسرائيل" بعد إخلائها من الأغيار، كما يقول إيتمار بن غفير، زعيم حزب "الصهيونية الدينية" الذي حصل (مع حزب شريك له) على المركز الثالث بـ14 مقعدا، وباتت حكومة نتنياهو المقبلة تحت رحمة شروطه. وإذا علمنا أنه منذ النكبة في 1948، كانت كل حكومات الكيان "أقل عنصرية وتشدّدا"، وهي التي فعلت ما فعلت، فهذا ينبئنا بما يمكن أن تفعله الحكومة المقبلة من زيادة في الظلم والجور والعنصرية، ومن رفع لوتيرة الاستيطان والعدوان... لعلّ هذا يكون سبباً في فضح جرائم الاحتلال، وحافزاً لاستيقاظ بعض العرب، ودافعاً إلى السير في سبيل النضال.

باحث، كاتب وخبير في الشؤون السياسية المتعلقة بمجال الخبرة
باحث، كاتب وخبير في الشؤون السياسية المتعلقة بمجال الخبرة
عمر المرابط
مهندس معلوماتيات، باحث، كاتب وخبير في الشؤون السياسية، نائب عمدة سابقا في الضاحية الباريسية.
عمر المرابط