بيضة ديك السيسي
كان أستاذنا النابه في مراحل التعليم الأولى، حين يريد أن يختبر ذكاءنا، ويصنع جواً من المرح، خارج الفصل الدراسي، يلجأ إلى ألوان من الأحاجي اللطيفة، فيسأل، مثلاً: ديك الجيران وضع بيضته فوق سطح بيتكم، فلمن الحق في البيضة، أنتم أم الجيران؟.
هذا، بالضبط، ما يدور الآن في مجادلات المصريين عن قرار عبد الفتاح السيسي، الفرعوني، بإعلان حالة الطوارئ في البلاد، والعودة إلى ذلك القانون الكريه.
يتجادل الناس، ويظهر بعضهم المخاوف، وآخرون البهجة، وكأن الطوارئ حالة مستحدثة، أو جديدة، في حياة المصريين، أو كأنها غابت عنهم يوماً، مع أن الواقع يقول إن أصل الأشياء هو أن الطوارئ في زمن الاستبداد لم تذهب، كما أن الديك لم يضع البيض يوماً، فوق سطحكم، أو فوق سطح الجيران.
"ما ناكلش.. ما نشربش.. ما نتظاهرش.. ما نعترضش"، تلك كانت المبادئ الأساسية في حكم السيسي مصر، منذ اختطف السلطة فيها بالبلطجة والإرهاب والقمع والبطش، على نحوٍ فاق، في بؤسه، وضعية الطوارئ التي اختبأ داخلها حسني مبارك ثلاثين عاماً.
في زمن السيسي، تم اختطاف وقتل الشباب من مدرجات ملاعب الكرة، ومن داخل فصول الدراسة، ومن أرصفة قطارات المترو، واشتغل عدّاد أحكام الإعدام، بمحاكماتٍ هزلية، بسرعات أعلى مما يحدث في أكثر البلاد فاشيةً واستبداداً.
في زمن السيسي، ليس من حق الجماهير حضور مباريات كرة القدم في الملاعب، وليس من حقهم الاحتجاج أو الغضب من ظلم وقع، أو إهانةٍ لحقت بهم، أو حرمانٍ من أبسط الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
في زمن السيسي، تجري عمليات التهجير القسري، وحرق الأراضي وهدم المنازل، ومسافحة السجينات، عنوة وقهراً، في مراكز الاعتقال وأماكن الحبس.
في زمن السيسي، يتم قاضٍ جليل في العقد الثامن من عمره، المستشار محمود الخضيري، عقوبة سجنه، ظلماً، ويصدر قرار إطلاق سراحه، لكنه لا يغادر محبسه، ويمضي وزير محترم وأستاذ للهندسة، الدكتور محمد علي بشر، أكثر من عامين بالسجن، حبساً احتياطياً، على ذمة لا جريمة.
في هذا الزمن السعيد، مسموحٌ لكل فاشي سفاح أن يحرّض على قتل المعارضين واختطافهم وتدمير عائلاتهم، من دون أن يوقفه أحد، أو يحاسبه أحد.
خارجياً، لا يتردّد السيسي في مخاطبة العالم بأن مصر غير جديرة بأن يكون بها حريات أو حقوق إنسان، أو أن تعيش حياة طبيعية، كغيرها من الأمم، والحجة أنه يحارب الإرهاب، ومن ثم لا ينبغي أن يكلمه أحد عن ديمقراطية أو حياة سياسية محترمة، ولعل هذا هو مكسبه الوحيد من زيارة راعي الفاشية والفاشيين، دونالد ترامب، الذي طمأنه بأن ملف حقوق الإنسان ليس مطروحاً للنقاش.
وكما فعل ترامب، فعلت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في زيارتها القاهرة، حيث منحته 500 مليون يورو، للحرب على الإرهاب، وإن كان الواقع يقول إنها استردّت المبلغ، قبل أن تغادر، في صورة صفقة تسليح، حيث كشفت الصحافة الألمانية عن أنه، وبالتنسيق بين ميريكل ومجلس الامن الألماني، تمت الموافقة على بيع مصر 330 صاروخ جو جو (sider winder) من باكورة إنتاج الترسانة الألمانية لسلاح القوات الجوية، وهي الصفقة التي اعترض عليها يان فان أكن (حزب اليسار) فى حديثه لجريدة ال Taz، وقال ساخراً "هذا شيء مضحك.. ميريكل تذهب إلى مصر لتعد نظام السيسي بقرض قيمته 500 يورو (خبر مؤكد) ليشترى ب 400 منها صواريخ ألمانية، إذ تشير الصحافة الألمانية إلى أنه في العام السابق كانت مصر رابع أفضل عميل لدى الحكومة الألمانية، فيما يخص استيراد السلاح، بميزانيةٍ وصلت إلى 400 مليون يورو.
والحاصل أن السيسي لم يكن بانتظار تفجير كارثي آخر في الكنائس، يحصد عشرات الضحايا، ليحبس مصر كلها في الطوارئ، أو يطعم فاشييه حتى يسمنوا وينطلقوا معلقين المشانق في ستوديوهات التلفزة، فالرجل منذ استولى على السلطة، يغلق الباب على مصر كلها، وينهال عليها بالهراوات والجنازير، متّخذاً من شعبها كله رهائن، يساوم بهم لابتزاز العالم.
الفاشية والطوارئ لم تغيبا عن نظام السيسي يوماً، فلم الدهشة من إعلانه عن المعلن واستخدامه للمستخدم؟!
في فبراير/ شباط الماضي، أعلنها السيسي "أي شخص ينتمي لأي تيار سياسي أو ديني أو طائفي معلش يستريح شوية، ولو اكتشفنا شخص بالنوع ده هنبعده، ليس فقط من الجيش والشرطة، بل من الدولة المصرية ككل، لأنه يركز على خدمة مصالحه وانتماءاته".
وعلى ذلك، من الخطأ اعتبار أن دماء الضحايا المسيحيين جاءت ثمناً لمزيدٍ من الطوارئ والفاشية، والأدق أنه، في زخم الحزن على إراقتها، قرّر أن يقطع أشواطاً بعيدة في موضوعاتٍ أخرى، مثل تسليم جزيرتي تيران وصنافير، وتنفيذ "صفقة القرن"، وحذف مفردة تداول السلطة من قاموس الحياة المصرية.