بلقنة الكرة المصرية

12 سبتمبر 2022

(محمد عمر خليل)

+ الخط -

منذ وقعت في مصر كارثة 3 يوليو (2013)، تجري عملية منظّمة وتدريجية لإحكام السيطرة على الرياضة المصرية بواسطة مؤسساتها وأجهزتها والدوائر التابعة والموالية لها. من أهمها سنّ قانون جديد للرياضة، وإصدار لائحة تنفيذية موحّدة للهيئات الرياضية والأندية، وحل روابط المشجّعين وتجريم مجموعات "الألتراس". وإذ يأتي النادي الأهلي في مقدّمة هذه الأندية الكبيرة في مصر، بل والوطن العربي وأفريقيا، كان طبيعياً أن يحظى بالنصيب الأكبر من ذلك الاستهداف السلطوي. بل كانت له خطة خاصة به، بدءاً بمحاولة مسؤول خليجي وثيق الصلة بالسلطة في مصر اقتحام منظومة "الأهلي" مالياً وإدارياً لإفسادها. ثم محاولة التأثير في انتخابات مجلس إدارة النادي. وأخيراً، كسر سيطرة "الأهلي" على البطولات، المحلية وغيرها، وهو المسار الوحيد الذي شهد نجاحاً، لتضافر الاستهداف المتعمّد مع اختلالات إدارية وفنية في النادي نفسه. 
ثمّة مسارٌ آخر كان يعمل بالتوازي منذ عدة سنوات أيضاً، ويشمل بقية مكونات المنظومة الرياضية، وتحديداً الكروية. فقد تزايد، بشكل ملحوظ ومريب عدد الفرق الكروية التابعة لمؤسّسات رسمية أو شبه رسمية. ولم تعد الدائرة الرسمية مقصورةً على أندية تابعة للجيش أو الشرطة، وصارت تشمل حالياً أندية شركاتٍ وأحزابٍ وبنوك، وكلها حكومية رسمياً أو فعلياً. في تجسيد لعملية "تأميم" وتطويع للكرة المصرية، فلا معنى آخر ولا منطق في أن ينشئ حزب السلطة، المسمّى "مستقبل وطن"، فريقاً لكرة القدم، أو أن تؤسّس شركة أدوية أو شركة تصنيع سجائر أو بنك فرقاً لكرة القدم، كلها لاعبون محترفون وليسوا من العاملين، إلا أن يكون لهذه الكيانات الخاضعة مباشرة وحصرياً للسلطة السياسية حضور وتأثير، وبالتالي تحكُّم في المنظومة الكروية. 
وكان من السهل جداً تصعيد تلك الفرق سريعاً إلى المستوى الأول للكرة المصرية، لاعتبارات كثيرة تتعلق بكواليس المستويات الكروية الأدنى، والتعتيم الإعلامي على ما يجري في تلك الكيانات الكروية المدفونة في باطن المنظومة الرياضية. وهي، بالمناسبة، تلعب دوراً محورياً في مسائل إجرائية وتنظيمية مهمة، منها مثلاً انتخابات الاتحادات الرياضية، وخصوصاً اتحاد الكرة.  
ولأن السحر كثيراً ما ينقلب على الساحر، فإن إعادة تشكيل الخريطة الرياضية مؤسسياً وفقاً لمعيار الملكية أو التبعية للسلطة، قد يفتح الباب، ولو نظرياً، أمام محاولات أطراف أخرى لتلعب اللعبة نفسها. وهذا بالضبط ما حدث قبل أيام، بإعلان أحد القساوسة الأرثوذكس المصريين نية الكنيسة تحويل فريق كرة قدم تابع لها إلى نادٍ رسمياً، وذلك تحت رعاية أسقف كنائس وسط القاهرة وإشرافه، وهو الذي التقى، ومعه القس، المدير التنفيذي للنادي الجديد، وزير الشباب والرياضة، وبحثا معه إجراءات إشهار النادي. 
ما تقوم به السلطة هو تجميع واحتكار لخيوط وأدوات التحكّم في كل مناحي الحياة في مصر. لكن في المجالات المرتبطة مباشرة باهتمامات المجتمع وميوله والسلوك الشعبي، أو حتى الشعبوي، لا يمكن ضمان السيطرة الكاملة وتجنّب انفلات الموقف. فمن حيث لا تدري، فتحت السلطة المصرية باباً قد يصعُب عليها إغلاقه. وهو باب التفتيت والتجزئة والدخول في معايير هوياتية ضيقة، تتشكّل بموجبها كيانات ومؤسسات رياضية أو غير رياضية، فإقحام الشركات والأحزاب والبنوك وغيرها في مجال الرياضة بشكل متعسّف دفع اليوم الكنيسة إلى اتباع النهج نفسه. وبمدّ الخط على استقامته، لا يوجد ما يضمن أن تتطلّع إلى خطوة مشابهة مكوّنات مجتمعية أخرى، دينية أو عرقية أو ذات هوية ضيقة وولاء ديني أو فئوي أو طائفي أو مهني أو غير ذلك. فمثلاً، إذا حدث وانضم نادٍ كروي تابع رسمياً للكنيسة المصرية إلى المنظومة الكروية والرياضية، فماذا سيكون الموقف إذا بادر كيانٌ أو فصيلٌ أو مؤسّسة إسلامية، بما في ذلك "الأزهر" نفسه، إلى خطوة مماثلة؟

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.