بعد انتخاب البرلمان الكويتي
يجوز سؤالٌ عن الدافع الذي دعا إلى حلّ مجلس الأمة (البرلمان) الكويتي، في فبراير/ شباط الماضي، وهو المنتخَب في يونيو/ حزيران الماضي، ما دامت الانتخاباتُ التي انتظمت الخميس أعادت المجلس نفسَه تقريباً (سبعة أعضاء جدد)، وحافظت فيه المعارضة على أغلبيّتها، فأحرزت نحو 30 مقعدا (من 50)، بل عاد إلى النيابة، متصدّرا في دائرته، النائب عبد الكريم الكندري، الذي أدّى تجاوُزه في الكلام على ما جاء في خطاب أمير البلاد، مشعل الأحمد الجابر الصباح، في جلسة أدائه اليمين الدستورية، إلى حلّ البرلمان السابق، ثم امتنعت الغالبية عن شطب مداخلته. ولئن يُلفت النظر أن نسبة الإقبال على التصويت كانت مرتفعة نسبياً عن جولات اقتراعٍ سابقة، فإنّ لا شيء يبدو جديداً تحقّق في التصويت لانتخاب البرلمان الثامن عشر منذ المجلس التأسيسي في 1962، ولا يغيب عن البال أن 12 برلمانا منها جرى حلّها. ولا يحسُن أن يغشانا أيّ مللٍ من إعادة الكلام عن شديد الإلحاح لضرورة أن تتحرّر الكويت من دوّامة البرلمانات المنحلّة والتوترات التي تطبع علاقتها بالحكومات، مع الاحتراس من أن تُستقبل دعوةٌ كهذه انحيازاً للسلطة واصطفافا ضد المعارضة، فأياً كانت مواقعنا، نحن أصحاب التعاليق السيّارة، وممن نتلفع بحبّ الكويت وشعبها، فإن رؤيةً كهذه نعتنقها لا تعني سوى أن يشفى هذا البلد، الرائد خليجيا في دسترةٍ متقدّمةٍ للنظام السياسي فيه، من هذا الحال المُضجر، سيّما أنه يبدو صحيحا، إلى حدٍّ غير قليل، ذلك القول إن الكويتيين الذين يتغنّون بالديمقراطية يجنحون مع كل حلّ للبرلمان صوب المعارضة أكثر.
أما وأن أهل مكّة أدرى بشعابها، فذلك قد لا يجعله لائقا أن يتوجّه واحدنا بوعظياتٍ مسترسلةٍ بشأن الأنسب للكويت وأهلها، على صعيد إقامة علاقة سويّةٍ معارضة وموالاة، علاقة سلطة ورقابة بين الحكومة والبرلمان، علاقة أندادٍ من أجل الصالح العام، غير أن في الوُسع أن يقال إنها نادرة المثال في العتمة العربية الراهنة واقعة عودة معارضين كويتيين إلى الترشّح، بل إلى مقاعد نيابية أيضاً، وكانوا قد دينوا في قضايا المساس بالذات الأميرية، سيّما في أعقاب حراك 2014، وحُرموا إبّانَه من الحقّ في الترشّح، غير أن مرسوماً أميرياً صدر لاحقاً، وأجاز لهم الترشّح بعد ردّ الاعتبار إليهم. ومع فضيلةٍ مثل هذه، يحسُن من الحكومة أن تغلّب العدّ إلى العشرة في تعاملها مع من يرفعون سقوفَهم عالية من النواب، من قماشة الذين جرى، في طوْرٍ غير منسيٍّ، تسمية بعضهم نواب التأزيم.
لا تأتي الأخبار من الكويت بعد تبيّن مجلس الأمة الجديد مبشّرة بأن تغييراً جوهرياً سيصير في شأن العلاقة بين الغالبية المعارضة (بتلاوين متنوّعة) والحكومة. ومع ما يمكن عدّه استعصاءً، ولو بشيءٍ من التزيّد، فإن الطرفين مدعوان إلى ما لا نعرف، نحن الذين في غير ملعبهما، إلى ابتكار صيغةٍ تنجي البلاد من الدوران في هذه المراوحة التي صارت تبيح لأصحاب النزوع غير الديمقراطي أن يعتدّوا بالذي يحدُث في الكويت شاهداً على أزعومتهم عن بؤس الديمقراطية في البيئات العربية، وعدم نفعها، وعدم أهليّة العرب لها، فانتخابات للمرّة الرابعة في أربعة أعوام تسلّح هؤلاء بقرينةٍ على "صحّة" ما يذهبون إليه.
وفي محملٍ آخر، لا نملك، على مبعدةٍ من تفاصيل التفاصيل، إلا تشجيع النواب، وبينهم شبّانٌ أصحاب نزوع إصلاحي، ومعهم الوزراء في الحكومة قيد التشكّل، على حماية المنجز الانتخابي المُصان بالنزاهة المشهودة، وإن يتبدّى سوء استخدامه، وإنْ تفيد منه قوىً تتوسلّه سلّماً من أجل الزعامة والوجاهة، ومن أجل تمكين العصبيات القبلية والطائفية، والسلفيّات المتطرّفة، في بلد يشهد منذ عقود تطوّرا مطّردا في مستويات التعليم والتعليم العالي، ويتعايش مع أفكارٍ ليبراليةٍ في الحياة العامة، في أجواء من التسامح الاجتماعي الملحوظ، ومع حضور للمرأة الكويتية في مواقع متقدّمة في الفضاء العام، وذلك كله بالتوازي مع حرّياتٍ صحافيةٍ محمودة، وتجارب جريئة في فنون المسرح والدراما، تعرّفنا فيها على أسماء طليعيّة في المسرح السياسي الناقد والناقم.
أيّا كان الحال والمآل، نترقب الخير والأحسن، والأصوب والأوْقع أثراً وتأثيراً، والأجدى للأمة في مجلس الأمة.