بداية غير موفّقة

03 أكتوبر 2014

لاجئون سوريون من عين العرب إلى تركيا (1أكتوبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

لم يقل أحد إن حرب التحالف الدولي ضد "داعش" سوف تكون قصيرة. هناك إجماع عام على أنها طويلة وصعبة، ولذا، فإن تهجّي البداية، يمكن له أن يوفّر لنا كشّافاً لكي نرى معالم المسار الذي ستذهب منطقتنا إليه منقادةً، لا قرار لها ولا قوة.

الثابت أننا سندخل حرباً طويلة الأمد بيننا، نحن أبناء المنطقة، من أجل الخلاص من هذا الوحش الذي ظهر من داخلنا، ولن نحتاج إلى طبول الولايات المتحدة، حتى تأخذ بنا الحماسة مداها، لأن هذه الجماعات تمثّل لغالبية شعوب هذه المنطقة حالة مَرَضيّة شاذّة، ضارّة بها، قبل أن تشكل تهديداً للمصالح الغربية.

سنذهب إلى الحرب، ولا أحد يعرف الطريق، لا أبناء المنطقة، ولا القوى الغربية التي تريد أن تجتث هذا السرطان، على حد وصف الرئيس الأميركي، باراك أوباما. ولذا، بدا الشهر الأول من الحرب أقرب إلى "فزعة العرب" التي سمعنا عنها من كثيرين من آبائنا، في وصف غارات القبائل البدوية بين بعضها البعض، قبل أن يصل السادة الغربيون لكي يفصلوا بينها ويرسموا الحدود، تبعاً للماء والخضرة والأطماع الاستعمارية، ويصبحوا هم المرجعية في الصغيرة والكبيرة.

واشنطن، التي أخذت زمام المبادرة لتركيب تحالف الحرب ضد "داعش"، لم تقدّم، حتى يومنا، خارطة طريق واضحة ترسم مساراً لهذه الحرب. هناك جملة واحدة، تردّدت على ألسنة المسؤولين الأميركيين ونظرائهم من الأوروبيين، ومفادها بأن الحرب ستكون طويلة. ولم يتبرّع مسؤول أميركي أو أوروبي ليشرح لنا سبب ذلك، ما زاد في الغموض غموضاً.

وهنا، من حقّنا، نحن أبناء المنطقة ضحايا الإرهاب المتعدّد الأوجه، العربي الرسمي والإسرائيلي والغربي، أن نطرح أسئلة كثيرة وجوهرية، لماذا ستكون الحرب طويلة؟ الحرب العالمية الثانية لم تدم أكثر من خمس سنوات، وانتهت بهزيمة ماحقة لألمانيا النازية. هل أبو بكر البغدادي أقوى من هتلر حقاً، حتى لا تستطيع أميركا وأوروبا والعرب هزيمته والقضاء على شرّه؟

لا أحد يعرف ما هي قوة البغدادي، وواضح أنها ليست هيّنة، فهو، منذ أكثر من شهر، يحارب على عدة جبهات، في محيط بغداد وقرب أربيل وفي الموصل، وداخل عدة مناطق في سورية، وعلى الرغم من الغارات الكثيفة ضد جماعاته، يحقّق تقدماً، ويقاتل على نحو هجومي. والمفارقة أن التقديرات كانت قد أشارت إلى أن تعداد عناصره لا يتجاوز عشرين ألفاً، واليوم، يجري الحديث عن مئة ألف، من دون حرج.

لا تكمن المشكلة في حجم جيش البغدادي، بل في خلط الأوراق القائم. وتكفي معلومة بسيطة عن تركيب جيش البغدادي، حتى يفهم المرء جسامة المهمّة، فهناك تأكيدات على أن القسم الأكبر هم من خريجي السجون الأميركية بعد احتلال العراق، ومن معتقلي سجون رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، وبالتالي، ليست "داعش" جملة من "مجانين الله" الذين اهتدوا إلى الخلافة التي جاء البغدادي لكي يقيمها على نحو كاريكاتوري.

وتكبر المشكلة، حين يتأمل المرء المشهد الأميركي الذي تختصره سياسة الرئيس، باراك أوباما، الذي تعامل بإدارة الظهر للإرث الكارثي الذي خلّفه له سلفه، الرئيس جورج بوش الابن، من أفغانستان إلى العراق وفلسطين. وإذا كان بوش هو الذي زرع كل هذه الألغام في المنطقة، فإن الذي يتحمّل المسؤولية عن عدم نزعها، في الوقت المناسب، هو أوباما. كان في وسعه أن يعالج الملف العراقي، على نحو يعيد التوازن إلى البلد، لكنه ترك شأن العراق للفاسدين من أمثال المالكي، حتى ولدت "الدولة" في العراق، وامتدت إلى الشام، لأن الغربيين أفسحوا المجال لبشار الأسد لكي يقتل بلداً بكامله.

شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر