تونس وسورية... هروب إلى الأمام
الرئيس التونسي قيس سعيّد يرشح نفسه لولاية ثانية. لا مفاجأة، لأنّ ما قام به، في ثلاثة أعوام، يصبّ في مجرى ما وصفها بـ"مواصلة مسيرة النضال في معركة التحرير الوطنية". العتبة الأولى كانت قراره في 25 يوليو/ تمّوز 2021 العمل بالقوانين الاستثنائية، ومن خلال المراسيم الرئاسية، وتعطيل الدستور، ووقف المسار الديمقراطي. وعلى هذا، يبدو محسوماً أن يخلف سعيّد نفسه، بعد أن قطع الطريق على إجراء انتخابات رئاسية نزيهة، كالتي فاز فيها عام 2019. وبات جلياً أنّه لن يجد في انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول المُقبل منافساً فعلياً، بعد أن أبعد كلّ الخصوم الذين يمكن أن يشكّلوا تهديداً له من طريق صناديق الاقتراع. لقد رتّب المشهد وفق ما يناسب طموحاته في البقاء على كرسي الحكم، واتّبع سلسلةً من الأساليب الملتوية بهدف إقصاء المُعارَضة عن المشاركة في الاستحقاق الرئاسي، وحاكم أغلب رموزها بتهم واهية، واختلق مؤامراتٍ تحاك ضدّه، وبذلك زجّ رموزاً عديدين في السجن، وأسقط حقّ الترشّح عن آخر المنافسين الجدّيين، رئيس حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، المرشّح لطفي المرايحي، كما حكم بالسجن غيابياً على الرئيس الأسبق، المنصف المرزوقي، كي لا يعود من الخارج ويقود معارضة ديمقراطية في هذا الظرف.
الانتخابات المزيّفة، التي نظّمها في 15 يوليو/ تمّوز الجاري رئيس النظام السوري، بشّار الأسد، تشبه، من حيث الشكل والمضمون، ديمقراطية نظيره التونسي، وتوازيها في منحى الهروب إلى الأمام. لقد جرت في المناطق التي يسيطر عليها النظام، ولم تتمّ أو تعرّضت للمنع في المناطق الأخرى، التي تمثّل القسم الأكبر من الجغرافية السورية. وجاءت هذه الدورة التشريعية، وهي الرابعة منذ عام 2011، لتكشف مرّة أخرى مستوى التعفّن الذي بلغه الوضع السوري، وعدم اكتراث النظام بالانهيار الذي تتخبّط فيه سورية، ناهيك عن الأزمات التي أنتجتها حرب النظام ضدّ الشعب، ومنها السياسية، التي تعطّل العودة الطوعية للمُهجَّرين، وخروج القوات الأجنبية، وتمنع إعادة توحيد البلاد. وبموازاة ذلك، تفاقم الكارثة التي لحقت بالتعليم وضياع مستقبل جيل من السوريين، بات مرشّحاً للبطالة والجريمة المُنظّمة.
لا يكترث سعيّد ولا الأسد بما يترتّب من نتائج سالبة تعبث بمصير بلدَين سياسيّاً واقتصاديّاً. صحيحٌ أنّ تونس لم تشهد قتالاً مُدمّراً كالذي جرى في سورية، ولم يتعرّض جزء من شعبها للتهجير، لكنّها تعيش في ظلّ ديكتاتورية لم تشهد مثيلاً لها حتّى خلال فترة حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، الذي أسقطت الثورة حكمه، وفتحت أمام التونسيين أبواب الحرّية. والقاسم المشترك بين سعيّد والأسد إجراء انتخاباتٍ غير شرعية، لجهة نسبة المشاركة المتدنّية جدّاً، وظروف تنظيمها، والأهداف المنشودة من ورائها. ولو لم ينقلب سعيّد على المسار الديمقراطي في تونس، لكانت البلاد قد اجتازت المُنعطف الصعب، واستمرّت في طليعة الدول العربية في طريق الديمقراطية، بعد أن هبّت منها رياح التغيير في نهاية عام 2010. والأمر ذاته بالنسبة للأسد، الذي رفض إجراء إصلاحات ديمقراطية، ولجأ إلى السلاح لمواجهة تظاهراتٍ طالبت بالحرّية والكرامة، وانتهى به الأمر إلى تدمير جزء من البلد، وقتل أكثر من نصف مليون، وتهجير ملايين عدّة من السوريين، تواجه نسبة كبيرة منهم أوضاعاً صعبة في تركيا ولبنان. إنّ التشبّث بالسلطة على هذا النحو يصادر حقوق الشعب، ويعتدي على الديمقراطية، ويُلغي دورها في تقدّم البلد، ويُحولّها لعبةً من ألعاب السلطة، وهذا هو السبب الرئيس وراء خسارة العرب فرصة الالتحاق بالعصر، بينما سبقتهم دول الجوار، كما هو حال تركيا، بفضل التداول السلمي على السلطة، ونزاهة العملية الانتخابية، واحترام حقّ التعبير وحرّية الإعلام.