انتقاد حاتم علي
على الرغم من صداقتي الطويلة، والحميمة، مع المخرج حاتم علي، ومحبّتي الكبيرة أسلوبَه في الإخراج، ورسالتَه الفكرية التي ما فتئ يعمل على إيصالها فنياً، إلا أنني لم أتضايق من انتقادات وجهت إليه بعد رحيله، ومنها قول بعضهم إنه لم يكن خارقاً بحد ذاته، وإنما بدا كذلك لدى مقارنته مع عموم المخرجين السوريين، وذهب بعض المنتقدين إلى أنه كان ذا موهبة متوسطة، ولكن إنتاجه غزير.
بداية؛ الوقوف في وجه تيار الإشادة الجماعية بشخصية حاتم عمل جيد، ومطلوب، لأن أسوأ شيء مرّ في حياتنا، نحن السوريين، خلال نصف القرن الماضي، هو الإجماع 99,99%، واتخاذ المواقف بطريقة "معهم معهم .. عليهم عليهم"، ومبدأ "كله عند العرب صابون".
الانتقاد، إذن، وإبعاد القداسة عن أي شخص من جنس البشر، حتى في لحظة وفاته، أمر جيد، ولكن ليس إلى حد القول إن حاتم علي متوسط الموهبة، وإن ما يميزه الاجتهاد وكثرة الإنتاج، فهذا وصف ينطبق، حقيقة، على عدد من مخرجي التلفزيون السوري منذ الستينيات وحتى أواسط التسعينيات، وليس على حاتم علي، للأسباب والعوامل التي يمكن أن نتلمسها خلال هذه الأسطر.. أهمها، أولاً، أن حاتم دارس، متخرّج من المعهد العالي للفنون المسرحية، وهذا يميزه عن أناسٍ أصبحوا مخرجين بالممارسة، مثل أسعد عيد ومحمد شيخ نجيب. وثانياً، ممارس لمهنة التمثيل منذ سنة 1988، وقد تعرّف خلال ذلك على طرائق المخرجين الأوائل، أمثال هيثم حقي ومأمون البني وعلاء الدين كوكش في الإخراج. وثالثاً، هو أديب وسيناريست، له مجموعتان قصصيتان مطبوعتان، ومجموعة من المسرحيات، وكتب أعمالا تلفزيونية لمخرجين آخرين، كمحمد بدرخان ومأمون البني. رابعاً، اكتسب خبرة في الإخراج من خلال عمله مع هيثم حقي بصفة "تعاون فني"، بينما تدرج بعض مجايليه، أمثال المثنى صبح وباسل الخطيب وسيف الدين السبيعي والليث حجو وسامر برقاوي، في العمل بصفة مساعد مخرج، أو مخرج منفذ قبل تولي عملية الإخراج. وهيثم حقي هو الذي أتاح لحاتم أول فرصة إخراجية من خلال تمثيلية "أمينة الصندوق".. وأشير، خامساً، إلى أن حاتم ذو حظ جيد، لأن بداياته في الإخراج تزامنت مع الفورة الإنتاجية في أواسط التسعينيات، وشهدت دخول رساميل كبيرة إلى ساحة الإنتاج التلفزيوني. وأذكر أن الوسط الفني السوري فوجئ، في 1994، بالتكلفة الإنتاجية العالية التي خُصصت لإنتاج مسلسل "نهاية رجل شجاع" المأخوذ عن رواية حنا مينة من "شركة الشام الدولية" التي يمتلكها باسم عبد الحليم خدام، ناهيك عن المجاميع البشرية التي كانت هذه الشركة تحصل عليها مجاناً من خلال علاقات "خدام الأب" مع ضباط كبار في الجيش، إذ تحصل على عدد كبير من الجنود ليجري تصويرهم كومبارس. وأسست بعدها شركات أخرى منافسة منها "سورية الدولية" (محمد حمشو) برأسمال كبير، وبعدها "حلب الدولية"، وتداولَ الوسط الفني، في تلك الأيام، طرفة تقول إن عمّو عبد الحليم كان يحكي لرفاقه في الحزب والحكومة عن الأرباح الخيالية التي حققها مسلسل نهاية رجل شجاع، فقال له أحدهم: شو رأيك يا رفيق أبو جمال نترك السياسة وننزل ع الإنتاج التلفزيوني؟!
ترافقت الفورة الإنتاجية المذكورة مع تطور كبير في المعدّات اللازمة للتصوير والمونتاج. ومنها أسدل الستار على الإنتاج الدرامي الفقير الذي كان يحول بين المخرجين، حتى المتميزين منهم، واستعراض عضلاتهم في إدارة المجاميع، وبناء أماكن تصوير خارجية باذخة. وهذا لم يتحقق لحاتم علي وحده، ولكنه برز فيه قبل غيره، وأتيحت له، من ثم، فرصٌ لم تتح لغيره في ذلك الوقت.
باختصار، تميز حاتم علي بتحقيق معادلة الإخراج الصعبة التي يمكن اختزالها بكلمتين: عين ذكية وفكر نظيف.