22 نوفمبر 2024
انتخابات الهند التي تعنينا
كان بطرس غالي يقول إن الهند هي المثال على تعايش الأقليات العرقية والدينية واللغوية في أرضها الشاسعة. وكان ينكتب، وما يزال، إن الديمقراطية في هذا البلد، شبه القارّة (1.3 مليار نسمة) هي الكبرى في العالم. ولكن، هل هذا صحيح؟ أو هل ما زال صحيحاً؟ في الوسع أن يقال إنه كذلك، تقنيّاً. وفي الجوهر، لم تعد الهند ذلك المثال. وتدلّ صناديق الاقتراع ومواسم الانتخابات على الديمقراطية، فيما العيوب العميقة في الجسد السياسي وفضاءات السلطة والحكم والإدارة والرقابة والتسيير (والتدبير بلغة أشقائنا المغاربة) تفيدنا بنقصانٍ مريعٍ صار يتعزّز في هذا البلد، الثقيل المكانة في العالم، على مستوى فاعلية الديمقراطية وأدائها. ببساطةٍ، لأن اجتماع خطاب التطرّف مع إيقاظ النزوعات القومية ذات الأنفاس الشوفينية، معطوفة إليهما تلويناتٌ شعبويةٌ صارخة، في سياقٍ سياسيٍّ عريض، قد يأخذ الحديث عن الديمقراطية إلى بعض الدعائيّة وكثيرٍ من الكذب، أو أقله لا يجعله صادقاً تماماً. وعندما يُضاف إلى هذه المثالب الإقصاء والتمييز واضطهاد الأقليات، فإن دِبْساً قليلاً وخرّوباً كثيراً يصبحان الأوضح في معاينة الديمقراطية الراهنة في الهند.
مناسبة هذا الهجاء هنا في صدد الهند الانتخابات النيابية (39 يوماً في سبع مراحل)، والتي انتهت، قبل أيام، بفوز مظفّر لحزب الشعب الهندي (بهاراتيا جاناتا)، القومي الهندوسي المتطرّف كما يجب أن لا يغيب نعتُه، إذ لم يحتفظ فقط بالأغلبية التي كان قد حقّقها في انتخابات 2014، بل أحرز عشرين مقعدا جديدا، فصار له 303 نائبا (من 542). وليس تفصيلاً أنه لم يرشّح في قوائمه أي مسلم، لأن الأمر لا ينطق فقط بعنصريةٍ مقيتةٍ تجاه 170 مليون هندي مسلم، وإنما لأن حضورا مهما في خطابه الانتخابي للربط بين المسلمين والإرهاب، وتصويرهم أصدقاء باكستان. وفيما هم 24 نائباً مسلماً في البرلمان فقط، فإن حزب المؤتمر الذي حكم الهند أربعة عقود (52 مقعدا في الانتخابات الجديدة!) لم يعد يحفل بأمر المسلمين، وصار يحرص، في المقابل، على إرضاء غرائز هندوسية تتنامى فيها مشاعر ازدرائهم.
ولا يصدر اعتناء هذه السطور بنقصان تمثيلية الهنود المسلمين في المؤسسة التشريعية الأولى في بلدهم عن شعورٍ مسوّغٍ بانتماء هذه الكتلة البشرية الكبرى إلى فضاء معيّن نرتبط به سويا، نحن المسلمين عموما، وإنما أيضا عن شعورٍ بأن الهند تُسرع خطاها باتجاه خصم مقادير العلمانية والتعايش بين مكوّناتها، وبأن في هذا الأمر ما يهمّنا من ناحية خسران الأمثولة التي كان هذا البلد يعبّر عنها، البلد الصديق سابقاً، ونصيرنا العتيد الذي فقدناه، قبل أن تبيح له القيعان التي تدحرجنا إليها، في الموضوعة الفلسطينية مثلاً، تسارعاً مضطرداً في علاقات صداقةٍ عميقةٍ مع إسرائيل، ليس أمراً ثانوياً في غضونها أن يستخدم جيش الهند قنابل إسرائيلية في غارة جوية على مواقع باكستانية في فبراير/ شباط الماضي، بعد تفجير انتحاري في كشمير. ولا حدّوتةً عابرة أن يزور نتنياهو (وزوجته) استوديوهات السينما الهندية الأهم في مومباي، في يناير/ كانون الثاني 2018، فيتسابق أميتاب باتشان (وزوجته) وزملاؤه على التقاط صور السيلفي معه.
يضيف أسبابا وجيهةً إلى هجاء المشهد الديمقراطي الراهن في الهند أن حزب الشعب الهندي، القومي الهندوسي المتطرّف، بزعامة رئيس الوزراء، نارندرا مودي (68) عاما، لم يحقّق وعوده في انتخابات 2014 في ملف الاقتصاد والازدهار ومحاربة الفساد، بل عرف الاقتصاد تراجعاتٍ، في السنوات الخمس الماضية، في قطاعاتٍ غير قليلة، منها قطاع الزراعة الذي جاءت تقارير وكالات أنباء عالميةٍ بصدده على انتحار آلاف المزارعين بسبب ديونٍ عليهم لم يستطيعوا تسديدها. وإلى هذا الأمر غير الهيّن، ثمّة الفشل في حل مشكلة البطالة المتفاقمة، وفي إنعاش الاقتصاد. وهذا كله يعني أن حزبا يحكم ويفشل في هذا كله، ثم يحقق نجاحا انتخابيا مذهلا (بحسب وصف "رويترز"). والتفسير المرجّح للمسألة المستغربة هاته أن عدّة الحزب كانت الشعبوية والعزف على الغرائز القومية والعرقية الهندوسية والتخويف من المسلمين، والوعود بتحجيم هؤلاء وإلغاء قوانين لصالحهم في جامو وكشمير. استطاع الحزب أن يأخذ الناخبين إلى ذخيرته هذه، فلا ينشغلوا كثيرا بكساد اقتصادي.. ثمّة هنا دروسٌ وفيرةٌ تعنينا، نحن العرب والمسلمين، في هذا الكلام.
ولا يصدر اعتناء هذه السطور بنقصان تمثيلية الهنود المسلمين في المؤسسة التشريعية الأولى في بلدهم عن شعورٍ مسوّغٍ بانتماء هذه الكتلة البشرية الكبرى إلى فضاء معيّن نرتبط به سويا، نحن المسلمين عموما، وإنما أيضا عن شعورٍ بأن الهند تُسرع خطاها باتجاه خصم مقادير العلمانية والتعايش بين مكوّناتها، وبأن في هذا الأمر ما يهمّنا من ناحية خسران الأمثولة التي كان هذا البلد يعبّر عنها، البلد الصديق سابقاً، ونصيرنا العتيد الذي فقدناه، قبل أن تبيح له القيعان التي تدحرجنا إليها، في الموضوعة الفلسطينية مثلاً، تسارعاً مضطرداً في علاقات صداقةٍ عميقةٍ مع إسرائيل، ليس أمراً ثانوياً في غضونها أن يستخدم جيش الهند قنابل إسرائيلية في غارة جوية على مواقع باكستانية في فبراير/ شباط الماضي، بعد تفجير انتحاري في كشمير. ولا حدّوتةً عابرة أن يزور نتنياهو (وزوجته) استوديوهات السينما الهندية الأهم في مومباي، في يناير/ كانون الثاني 2018، فيتسابق أميتاب باتشان (وزوجته) وزملاؤه على التقاط صور السيلفي معه.
يضيف أسبابا وجيهةً إلى هجاء المشهد الديمقراطي الراهن في الهند أن حزب الشعب الهندي، القومي الهندوسي المتطرّف، بزعامة رئيس الوزراء، نارندرا مودي (68) عاما، لم يحقّق وعوده في انتخابات 2014 في ملف الاقتصاد والازدهار ومحاربة الفساد، بل عرف الاقتصاد تراجعاتٍ، في السنوات الخمس الماضية، في قطاعاتٍ غير قليلة، منها قطاع الزراعة الذي جاءت تقارير وكالات أنباء عالميةٍ بصدده على انتحار آلاف المزارعين بسبب ديونٍ عليهم لم يستطيعوا تسديدها. وإلى هذا الأمر غير الهيّن، ثمّة الفشل في حل مشكلة البطالة المتفاقمة، وفي إنعاش الاقتصاد. وهذا كله يعني أن حزبا يحكم ويفشل في هذا كله، ثم يحقق نجاحا انتخابيا مذهلا (بحسب وصف "رويترز"). والتفسير المرجّح للمسألة المستغربة هاته أن عدّة الحزب كانت الشعبوية والعزف على الغرائز القومية والعرقية الهندوسية والتخويف من المسلمين، والوعود بتحجيم هؤلاء وإلغاء قوانين لصالحهم في جامو وكشمير. استطاع الحزب أن يأخذ الناخبين إلى ذخيرته هذه، فلا ينشغلوا كثيرا بكساد اقتصادي.. ثمّة هنا دروسٌ وفيرةٌ تعنينا، نحن العرب والمسلمين، في هذا الكلام.