امرأة جميلة اسمها بيلا حديد
نشرت صحيفة نيويورك تايمز، في مايو/ أيار 2021، إعلاناً مدفوعاً احتلّ الصفحة الخامسة منها، لا تقل قيمته عن رُبع مليون دولار. هاجم الشقيقتين بيلا وجيجي حديد والمغنية البريطانية دوا ليبا، وظهرت فيه صورهن مع عنوان كُتب بخط عريض يقول إن "حماس تدعو إلى هولوكست ثانية،، أدينوهن الآن". كان ذلك على خلفية مواقفهن من أحداث حي الشيخ جرّاح في القدس، واقتحام المسجد الأقصى، والحرب التي شنتها إسرائيل إذ ذاك على غزّة. وتلك أحداث تُؤرَّخ لأهميتها في مسيرة النضال الفلسطيني، إضافة إلى ما أحدثته من انعطافة كبرى في الرأي العام العالمي، وخصوصا داخل الولايات المتحدة، ولا تُنسى مخاطبة الرئيس الأميركي جو بايدن النائبة من أصل فلسطيني في الكونغرس رشيدة طليب، في خطاب ألقاه في ديربورن آنذاك، ووصفه لها بالمقاتلة، ووعده لها بأن تكون جدّتها وعائلتها في الضفة الغربية بخير.
لم يكن أحد ليكترث بالإعلان الذي نشرته في "نيويورك تايمز" منظمة تسمّى شبكة القيم العالمية التي يترأسّها الحاخام شمولي بوتيش، وإنْ كان يؤشّر إلى التهديد الذي تشعُر به إسرائيل وداعموها من التعاطف غير المسبوق مع النضال الفلسطيني، وخصوصا في أوساط المشاهير، فما بالك لو كان من بينهم من ذوي الأصول الفلسطينية، سيما بيلا حديد التي تعتبر من بين الأكثر جمالاً وشهرةً في العالم ومتابعةً على إنستغرام (يتابعها 60 مليون شخص).
خلال تلك الأحداث، مايو/ أيار 2021، نشرت وسائل الإعلام صورًا لبيلا بقامتها الممشوقة وهي تضع كوفية شعبها على كتفيها، وترفع العلم الفلسطيني في أحد شوارع نيويورك في مسيرة تضامن مع الفلسطينيين، وبدا كأن الشابة تقود زحفاً لا سبيل لإسرائيل إلى صدّه اليوم أو غداً. وكتبت آنذاك عن فخرها بأن تكون في هذه المسيرة، إلى جانب مواطنيها الأميركيين من أصول فلسطينية، الجميلين كما قالت. الأذكياء، المحبين، واصفة إياهم بالسلالة النادرة.
لم يتأخّر الرد الإسرائيلي، فقد قوطعت الشابة داخل الولايات المتحدة نفسها، وفقدت بعض فرص العمل والأصدقاء الذين قالت إنها كانت تتناول العشاء معهم، وأصبحت غير مرحّبٍ بها في بيوتهم بعد مواقفها المؤيدة لشعبها، وكان ردّها أنها لا تُبالي حتى لو فقدت وظيفتها، بعد أن أدركت أنها ليست على هذه الأرض مجرّد عارضة أزياء، وأنها لن تتوقف عن الحديث عن شعبها: عن أولئك الذين يعيشون هناك ولا يستطيعون رؤية بلادهم، فلسطين، حرّة حتى أيامنا هذه، وعن أولئك الأطفال الذين ما زالوا غير قادرين على الحصول على حياةٍ أفضل.
وعندما قُتلت الصحافية في قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة برصاص قنّاص في جيش الاحتلال خلال تغطيتها اقتحام مخيم جنين، صبيحة الحادي عشر من مايو/ أيار 2022، كتبت بيلا حديد، ولم تتوقّف، عن شعورها بالعجز. عن شيرين التي لم تكن تحمل سلاحاً بل كاميرا، وكيف قُتلت وهوجمت جنازتُها بوحشية، وكيف لأي إنسانٍ على وجه الكرة الأرضية، وبغض النظر عن هويته، ألا يبكي ويصرُخ بغضب وهو يشاهد جثمان الراحلة أبو عاقلة يُهاجَم ويكاد يقع، وكيف له ألا يرى أمه أو أباه أو جدّه في أولئك الفلسطينيين الذين يُقتلون على مرأى العالم، ويُضربَون ويُدفعون إلى الأسفل وهم خائفون على حيواتهم؟!
لم تنتظر الشابة الجميلة ردوداً من وزراء الخارجية العرب على تصريحات إيتمار بن غفير العنصرية التي قال فيها، أخيرا، إن حقه وزوجته وأولاده في التنقّل على طرق الضفة الغربية أكثر أهمية من حقّ "العرب" في التنقل، بل بادرت هي وكتبت على حسابها على "إنستغرام" مندّدة، وقالت إنه لا ينبغي أن تكون حياة إنسان في أي مكان، وخصوصا في عام 2023، أكثر أهمية من حياة أي إنسان آخر، فجُنّ جنون بن غفير الذي وصفها كارهةً لإسرائيل.
لا يستطيع بن غفير الانتصار على حقّ الفلسطينيين الأصيل في تقرير مصيرهم وفي وطنهم، كما لا تستطيع البشاعة والعنصرية الانتصار على الجمال والحقّ والعدالة. بيلا حديد وسواها يستطيعون هزيمة بن غفير ولو رمزياً، وتعرية خطابه العنصري أمام عشرات الملايين من متابعيها على الأقل، وهذا ما لا تستطيعه وزارات إعلام عربية وسلطة فلسطينية عاجزة تقيم في رام الله.