اليوم التالي في اليمن

08 فبراير 2021
+ الخط -

أعلن الرئيس الأميركي، جو بايدن، وقف الدعم العسكري الأميركي للتحالف العربي في حرب اليمن. وخص بالذكر، تحديداً، وقف دعم أي تحرك عسكري "هجومي" من التحالف. واستدرك بايدن بأنه مستمر في التزام واشنطن الدفاع عن أمن السعودية ضد أي تهديدات. ويثير هذا التطور التساؤل حول كيفية التوفيق بين الالتزام الأميركي بمقتضيات الأمن السعودي، ووقف تقديم معلوماتٍ ومساعداتٍ عسكرية كانت الرياض تستفيد من بعضها في العمليات العسكرية الدفاعية ضد الحوثيين، خصوصاً في ظل تكرار انتهاك الحوثيين الهدنة المنعقدة بين الجانبين أخيرا.
كما عيّنت إدارة بايدن تيموثي ليندر كينغ مبعوثاً خاصاً إلى اليمن، وهو دبلوماسي مخضرم له خبرة في منطقة الشرق الأوسط، حيث خدم في سفارة بلاده لدى الكويت وعمل نائباً للسفير الأميركي في السعودية. وحدّدت واشنطن عمل المبعوث في ثلاث مهام أساسية، تشمل تسهيل وصول المساعدات الإنسانية، والاستيراد التجاري للسلع الأساسية، وتنشيط الدبلوماسية الأميركية مع الأمم المتحدة وغيرها لإنهاء الحرب في اليمن. وتشير تلك المهام بوضوح إلى أن الدور الفعلي الذي سيقوم به ليندر كينغ سيتركز بالأساس في العمل الإنساني.
ولم تكتف إدارة بايدن بهذه الخطوات، فأبلغت وزارة الخارجية الأميركية الكونغرس أنها بصدد رفع اسم حركة أنصار الله (الحوثيون) من قائمة الإرهاب الأميركية. بعد أقل من شهر على إدراجها بواسطة إدارة دونالد ترامب في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض. وبرّرت إدارة بايدن تلك النقلة العكسية بأن إنهاء الحرب يستلزم وجود قنوات واتصالات مع كل أطرافها، بمن فيهم الحوثيون.
تأييد إنهاء الحرب في اليمن هو موقف بايدن الثابت، والذي حرص على إدراجه بوضوح في أجندته الانتخابية. لكن ما لم يكن متوقعاً أن يبدأ نشاط إدارته خارجياً به، بعد أسبوعين فقط من دخول البيت الأبيض. ربما كان من بين أسباب التعجيل بتلك القرارات المتعلقة باليمن مبادرة الحوثيين إلى استهداف الأراضي السعودية أخيرا بطائرات مسيرة. ولكن الأهم أن هذه القرارات توحي بأن لدى واشنطن خطة محددة للعمل على مسارات متوازية نحو تسوية الأزمة في اليمن. غير أن التدقيق في تلك الخطوات والمسارات يكشف أن الأمر ربما يؤول، في النهاية، إلى هدف غير طموح، إنهاء العمليات العسكرية الجارية هناك، وفقط، فهذا بالتحديد ما أعلنه جو بايدن شخصياً أكثر من مرة خلال حملته الانتخابية، ولم يتطرّق إلى تسوية الصراع هناك أو إيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية التي هي أوسع وأعمق كثيراً من الوجه المسلح المباشر لها، ولم تكن بالتأكيد هدفاً بحد ذاتها.
حتى هدف إنهاء الحرب فقط، يصعب تصوّر إمكانية تحقيقه بهذا التبسيط أو "الاستسهال" الذي تشير إليه قرارات بايدن، فليس معنى تعيين مبعوث خاص إلى اليمن، مهمته الأساسية "إنسانية" أنه سيقوم بما لم يستطعه المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، بعد أشهر طويلة من الجهود على كل المسارات. كما أن إنهاء الحرب يستلزم قبول الطرفين له، ولا توجد إشارات لذلك من الحوثيين، فقد أعلنوا فقط قبولاً مبدئياً مشروطاً. والأهم من وقف العمليات العسكرية أن تتوفر رؤية متكاملة لحل النزاع، وكيفية التوصل إلى تسوية سياسية لصراع ممتدٍّ ترتد جذوره إلى سنوات طويلة، بل عقود مضت، ولا يمكن اختزاله في الوجه المسلح له، فالتدخل العسكري بواسطة التحالف العربي لم يكن سوى ردة فعل على رفع الحوثيين السلاح والزحف بقواتهم من صعدة حتى استولوا على صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014.
إنهاء الحرب ضرورة قصوى، بعد المآسي الإنسانية التي ترتبت عليها، لكن يجب البحث عن حل نهائي وجذري لمشكلات اليمن المتشابكة. أما وقف القتال، من دون حل لأسبابه ودوافعه، فمعناه تجدّد الصراع بما فيه المواجهة المسلحة، ولو بعد حين.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.