الهند إلى حقبة جديدة بعد اكتشاف احتياطي الليثيوم
أعلنت وزارة المناجم في الهند، يوم 9 الشهر الماضي (فبراير/ شباط)، أنهُ تم العثور، لأول مرة، على موارد مستنبطة من الليثيوم (G3) تبلغ 5.9 ملايين طن، في منطقة صلال هيمانا في منطقة ريسي في جامو وكشمير، عقب مسح ميداني أجرته هيئة المسح الجيولوجي للهند (GSI). وهو اكتشاف قد يقود نحو حقبة جديدة في مسار التطوّر والنمو الاقتصادي الهندي محلياً وعالمياً؛ وقد يكون ذلك جزءاً من حملة رؤية "Aatmanirbhar Bharat"، والتي تعني "الهند المعتمدة على نفسها"؛ وهي حملة أطلقها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، عام 2020، بهدف تحقيق الاعتماد على الذات؛ قد يتيح اكتشاف الهند احتياطيات الليثيوم جعلها "ذاتية" في ذلك المجال.
ربما تصبح الهند لاعباً رئيسياً في السوق العالمية لليثيوم؛ مع تحوّل العالم إلى الطاقة الخضراء لمعالجة المشكلات البيئية، أصبح الليثيوم النفط الجديد للاقتصاد العالمي، وعنصراً أساسياً في أمن الطاقة الجديدة وخطط التنمية المستدامة، ما قد يؤدّي إلى ارتفاع الطلب العالمي عليه.
معدن الليثيوم هو فلزّ لونه أبيض مائل إلى الفضّي؛ لذلك يطلق عليه اسم الذهب الأبيض. يحتوي عنصر الليثيوم على خصائص فيزيائية وكيميائية فريدة من نوعها، وهو عنصرٌ خفيفٌ وليّن، فهو أخف معدن على وجه الأرض، ولا يحتوي على حديد، لذلك لن يصدأ، كما أنهُ مادّة سامة وشديدة التفاعل مع الماء. نظراً إلى تلك الخصائص، يستخدم الليثيوم على نطاق واسع في مجموعة متنوّعة من التطبيقات؛ منها، في إنتاج بطاريات الكهربائية، والتي تُستخدم في مجموعةٍ متنوعةٍ من الأجهزة الإلكترونية، بما في ذلك الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، والمركبات الكهربائية، والألواح الشمسية.
عبر خطط تنموية جديدة لدى الحكومة الهندية، عقد في 9 الشهر الماضي (فبراير/ شباط) في نيودلهي، الاجتماع الثاني والستين لمجلس البرمجة الجيولوجية المركزية (CGPB)، تم الاتفاق على أنه خلال عامي 2023 - 2024 سوف يجرى "تبنّي 966 برنامجاً من هيئة المسح الجيولوجي للهند، من بين مشاريع أخرى، تم تبنّي 318 مشروعاً للتنقيب عن المعادن، و55 برنامجاً حول المعلوماتية الجغرافية، و140 برنامجاً في علوم الأرض الأساسية، و155 برنامجاً للتدريب وبناء القدرات المؤسّسية".
المرة الأولى في الهند التي يتم فيها استكشاف معدن الليثيوم بكمية كبيرة
ونحو نهج "الاكتفاء الذاتي"، تعتمد الهند على استيراد معادن عديدة، منها الليثيوم، والذي تستورد منه بنسبة 100% من أجل صناعتها التحويلية، وأهمها صناعة بطاريات المركبات الكهربائية؛ إذ تستورد الهند جميع بطاريات الليثيوم والليثيوم أيون، من الصين ودول أخرى. وبالتالي، يحقّق اكتشاف الهند مثل هذه الكمية الكبيرة باحتياطي 5.9 ملايين طن من الليثيوم تلبية الطلب المحلي، عبر استخدام الليثيوم في قطاعات التصنيع لبطاريات المركبات الكهربائية، إلى جانب إمكانية استخدام المعدن في العديد من المجالات محلياً في الهند؛ نظراً لاستخدام الليثيوم في مجالات عديدة، كما أُشير إليه أعلاه.
وفقاً لبيانات حكومية من وزارة التجارة والصناعة، بين أبريل/ نيسان - ديسمبر/ كانون الأول 2022-23 خصصت الهند 163 مليار روبية لاستيراد الليثيوم والليثيوم أيون. أخبر أديتيا فيكرام، العضو المنتدب لشركة Renon India، وهي الشركة المصنّعة لبطاريات الليثيوم أيون من ولاية غوجارات، وشركة Mongabay-India، أنه إذا كان المعدن متاحاً محلياً، فيمكن أن تنخفض تكلفة إنتاج البطاريات بنسبة 5% إلى 7%.
عالمياً، أهمية اكتشاف الليثيوم في أن احتياطات معدن الليثيوم في العالم تتكوّن فقط من 0.0007 % من قشرة الأرض، وتقدر بنحو 98 مليون طن. في حين هناك 53% من احتياطات الليثيوم متوفّر في أميركا اللاتينية، تحديداً في الأرجنتين؛ 21 مليون طن، وبوليفيا؛ 17 مليون طن، وتشيلي؛ تسعة ملايين طن. وهناك دول أخرى تمتلك احتياطات الليثيوم، مثل أستراليا؛ 6.3 ملايين طن، والصين؛ 4.5 ملايين طن. ومع اكتشافها 5.9 مليون طن من احتياطات الليثيوم، أصبحت الهند من أكبر احتياطيات رواسب الليثيوم في العالم.
الليثيوم عنصر أساسي لصنع بطاريات أيونات الليثيوم، وهو مدخلٌ مهم للسيارات الكهربائية
من حيث الإنتاج والتصنيع، وفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي، تجاوز إنتاج الليثيوم العالمي (100,000 Tone Mark) في عام 2021. تمثل أكبر ثلاث دول منتجة لليثيوم، هي أستراليا وتشيلي والصين؛ وأوضحت بيانات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية لعام 2021 أن أستراليا وتشيلي والصين أنتجت 90% من الليثيوم في العالم. وفي ذلك المنعطف، تشير توقعات المنتدى الاقتصادي العالمي إلى زيادة الطلب العالمي على الليثيوم في السنوات المقبلة؛ فقد يصل الطلب على الليثيوم إلى 1.5 مليون طن من معدن كربونات الليثيوم بحلول عام 2025، وأكثر من ثلاثة ملايين طن بحلول عام 2030.
عقب تحوّل الهند نحو أحد المصنّعين والمنتجين الرئيسيين لليثيوم في العالم بالتأكيد ستصبح من أكبر المنافسين في السوق العالمي لمعدن الليثيوم؛ في ظل الاكتشاف الهندي الجديد، من المقرّر أن يتغير مسار الإنتاج والتصنيع العالمي لليثيوم؛ إذ وضعت الهند خططها العملية لتعامل مع اكتشاف معدن الليثيوم. في حين أيضاً يتوافق اكتشاف الليثيوم مع تطلعات الهند في مجالات عديدة، منها التنقل الكهربائي، والطاقة الخضراء، والخطط المناخية.
يعد الليثيوم عنصراً أساسياً لصنع بطاريات أيونات الليثيوم، وهو مدخلٌ مهم للسيارات الكهربائية. ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، بحلول عام 2030 ستمثل المركبات الكهربائية أكثر من 60% من المركبات المبيعة على مستوى العالم، وتتطلّب زيادة كافية في أجهزة الشحن المثبتة في المباني. وذلك كجزء من مسارات التكنولوجيا والابتكار للمباني الجاهزة الخالية من الكربون بحلول عام 2030. وفي ذلك الإطار، تستثمر الهند في التحوّل في التنقل الكهربائي؛ حيث حدّدت الحكومة الهندية هدفاً لتحقيق التنقل الكهربائي بنسبة 30% من أسطول السيارات في البلاد بحلول عام 2030، عبر تقديم الحوافز والسياسات لدعم نمو صناعة السيارات الكهربائية. وبالتالي، اكتشاف احتياطات الليثيوم سيخدم ذلك الهدف بكل تأكيد، وربما ترتفع نسبة التنقل الكهربائي أكثر من 30% لدى الحكومة الهندية.
قال المدير التنفيذي السابق لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إريك سولهايم إن هذا يمكن أن يكون فرصة للهند؛ لأن "الليثيوم عنصرٌ حاسم في البطاريات الكهربائية والسيارات والاستخدامات الأخرى. عندما تتحوّل صناعة السيارات العالمية بالكامل إلى الكهرباء في السنوات القليلة المقبلة، سيكون هناك طلب كبير على الليثيوم".
يتوافق اكتشاف الليثيوم مع تطلعات الهند في مجالات عديدة، منها التنقل الكهربائي، والطاقة الخضراء، والخطط المناخية
وفي إطار الخطط نحو التنقل الكهربائي، والعمل على تصنيع بطاريات الليثيوم قد يؤدّي إلى تقليل انبعاثات الوقود الأحفوري، وبالتالي، تقليل الاعتماد على مركبات الديزل والبنزين التقليدية، وهذا يضع الهند دولة عالمية ملتزمة بأهداف التنمية المستدامة، ليتوافق ذلك مع تطلعات الهند في مجال الطاقة الخضراء، والخطط المناخية. ففي عام 2021، أعلن رئيس الوزراء مودي عن هدف للبلاد لتحقيق صافي انبعاثات صفرية من الغازات بحلول عام 2070. وفي العام التالي، قدّمت الهند أول استراتيجية طويلة الأجل للتنمية منخفضة الكربون؛ إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، توضح من خلالها تفاصيل رؤية الهند وخطّة عملها، ومن بين أمور أخرى لتحقيق ذلك الهدف، يتطلب الأمر تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بشكل كبير، وربما يلعب الليثيوم دوراً مهماً في ذلك المجال.
وللهند طموحات وخطط في مجال تحويل الطاقة؛ أطلقت الحكومة الهندية عام 2022 خطة لتركيب 500 غيغاواط من الطاقة المتجدّدة بحلول عام 2030، من أجل الحفاظ على التزاماتها العالمية بمصادر نصف طاقتها من مصادر الوقود غير الأحفوري، وبذلك قد يخدم اكتشاف الليثيوم خطط الهند في الطاقة الخضراء.
وفي المقابل، قد تواجه الهند تحدّيات التعامل مع ذلك الاكتشاف، عقب استخراج رواسب الليثيوم؛ إذ وفقاً للخبراء "يعدّ تعدين الليثيوم عملية طويلة ومعقّدة، وقد تواجه الهند بعض التحدّيات، مثل نقص الخبرة في استخراج الليثيوم، ونقص وحدات المعالجة والتأثير المحتمل على البيئة المحلية".
يعد رسم الخرائط بواسطة هيئة المسح الجيولوجي الخطوة الأولى نحو تحديد أي معدن. "يتبع ذلك المرحلة التالية من الاستكشاف، حيث يجرى حساب الموارد المقدّرة بناءً على الدراسات الفيزيائية والكيميائية للسطح والعينات. ومن ثم يتم الانتقال من مرحلة G4 (الاستصلاح)، ويتم فيها تحديد الموارد، إلى مرحلة G3 (التنقيب)، وفيها يتم تقدير الكميات بناءً على تفسير النتائج الجيولوجية والجيوفيزيائية والجيوكيميائية، ويتم تحديد الاحتياطيات. في المرحلة التالية، G2 (الاستكشاف العام)، يتم إجراء المزيد من الدراسات لتقدير حجم ودرجة المعادن. وأخيراً، المرحلة G1 (الاستكشاف التفصيلي)، حيث يتم تحديد خصائص الخزان بدرجة عالية من الدقة".
قد تواجه الهند تحدّيات التعامل مع ذلك الاكتشاف، عقب استخراج رواسب الليثيوم
أوضح التقرير الهندي السنوي للمسح الميداني، والذي أعلنت عنه وزارة المناجم في الهند في الشهر الماضي (فبراير/ شباط)، بأن النسبة التي تم الاعلان عنها من الليثيوم تبلغ 5.9 ملايين طن، من مرحلة (G3)، أي مرحلة تحديد الاحتياطات، في حين لم يتم تقدير حجم ودرجة المعادن، وخصائص الدقة للمعدن، لذلك يرى العديد من الخبراء الجيولوجيا بأن الحسابات ما زالت غير دقيقة للنتائج النهائية ولكيفية التعامل مع ذلك الاكتشاف.
قال الأستاذ في قسم علوم وهندسة الطاقة في المعهد الهندي للتكنولوجيا - بومباي، ساغار ميترا، "على عكس تشيلي التي تحتوي على رواسب الليثيوم، في منطقة ريسي في جامو وكشمير بها مزيج من الليثيوم مع غيره، من المعادن في الصخور، وهذا يمكن أن يؤدّي إلى مزيد من التحدّيات من حيث تكلفة المعالجة والتكنولوجيا". كما تقع جامو وكشمير بالقرب من جبال الهيمالايا، ضمن المنطقة الحساسة من الناحية البيئية، وفقاً لخريطة تقسيم المناطق الزلزالية في الهند، في حين أوضحت التقارير الدولية التأثير والتدهور البيئي في المناطق التي يتم فيها تعدين الليثيوم. وأن التقنيات المثبتة لاستخراج الليثيوم من خلال التعدين السطحي أو تبخّر المحلول الملحي تتطلب مئات الأفدنة من الأراضي لاستخراجها، وستزيل الغطاء النباتي الأصلي في المنطقة تماماً.
قد تحتاج الهند دراسات جيولوجية وجيوفيزيائية وجيوكيميائية معمقة، وهو ما يتطلب علماء وخبراء ذوي كفاءة عالية، إلى جانب متطلبات رأس المال ومهارات تقنية تكنولوجية عالية. فالهند ليس لديها الخبرة الكافية لإنتاج معدن الليثيوم وتصنيعه؛ فهي المرة الأولى التي يتم فيها استكشاف معدن الليثيوم بهذه الكمية، وربما قد تحتاج الهند على الأقل خمسَ سنوات للتعامل بكفاءة مع هذه الاستكشاف الجديد للمعدن. وبالتالي، يتوقف سعي نيودلهي نحو تحقيق أهدافها ومتطلبات المحلية والعالمية عبر اكتشاف الليثيوم على كيفية وضع الخطط والتعامل مع تحدّيات استخراج رواسب احتياطات الليثيوم.