النساء ورقاد المجتمعات
الفرد الذي يعتبر دائماً، لا استثناءً، أن الرقاد هو خاتمةٌ، كفعل غريزي مولود من القِدَم، هو فردٌ لن يبحث عن رحلة ما بعد الاستيقاظ. وهذا الفرد محاطٌ بعاداتٍ غير مدركة بوعيه، تجعله يعتقد أن الرقاد خاتمة. والفرد الذي لا يخلد للنوم قبل التفكير برحلة الاستيقاظ هو شخصٌ يعلم أنه قادر على ما هو تحت سيطرته. والفرد الذي تردعه عوامل قسرية، كالأمراض والحروب والأوبئة وغيرها، وصولاً إلى الموت، معذورٌ على جبين الحياة. المجتمعات ابنة تَلَاقي الأفراد، لكنها غير معذورة بالحجم نفسه كشخص منفرد.
والشعوب المكوّنة للأفراد تحتاج إلى فهم أن دورها لا ينتهي برقاد أو سُبات، بل بالاستيقاظ المتجدّد. استيقاظ غير مبنيٍ على روتين متكرّر، بل على الحاجة للاقتراب أكثر من ذاتنا العميقة، المتناغمة مع إنسانية مجبولة بوعيٍ لامتناهٍ. في أسبوع واحد، وقعت جرائم عدة، طاولت نساءً عربيات، لأسبابٍ نابعة حصراً من تفكير ذكوري يمنح الأولوية للرجل باسم "الخصائص الجسمانية".
لا تحتاج الشعوب إلى إضاءة الشموع والبكاء على الضحايا أو نظم الشعر فحسب، بل يفترض لها أن تستيقظ من نومها، لعلمها أن ما يحصل من جرائم، مع تبريرها، ليس أمراً مسلّماً، لا أخلاقياً ولا إنسانياً، بل هي سليلة موروثاتٍ لعقل إجرامي، يحتال على قواعد حياتية رسّختها المجتمعات على مرّ العصور، وليس من الضروري أن تكون محقّة.
لا تقف البطولة، رغم التقدير الذي تستحقه، عند حد محاولة ردع المجرمين، بل تستوجب مواجهةً استباقية، كيلا نمضي عمرنا في تعداد ضحايا عنفٍ متوارث. ولا ينبغي هنا القول: "هل يرضى أي منا أن تنال الجرائم التي تُرتكب ضد النساء من أقرب الناس إليه؟". لا. هذا سؤال يحاكي عاطفة شخص محدد ويخضع لفكره المتناسل من هيكلية لا يفترض أن تدوم بعد الآن. كما أنه سؤال يلامس أنانية فرد، عبر ممارسة التوسّل لإقناعه بتغييرٍ ما في هذه العقلية.
إن لم تضرب بقوة فلن تحصل على شيء، وستبقى خاضعاً لحدود مرسومة في أوهامك. القضايا المجتمعية، انطلاقاً من قضايا النساء، لا تحتاج إلى التعاطف الممزوج بالنفاق، أي تجاهل الإشارة إلى مكامن المشكلات، وتعديل وإقرار قوانين ترتبط حصراً بتأمين حماية قضائية ومجتمعية لمشاريع الضحايا. في الأساس، يبدأ أي نضال بقمع كل تفكير يصنّف المرأة "إنساناً ثانياً"، على مستوى التصنيفات البشرية، وفهم أن الموجة ستضرب الشاطئ عاجلاً أم آجلاً، وكل ممانعة لإدراك هذه الحقيقة مجرّد مكابرةٍ ذكوريةٍ ستضمحلّ في لحظة مستقبلية، وسينشأ عنها صدامٌ ذاتيٌّ مع معتنقيها، قبل استيعاب مبدأ "حركة التاريخ".
الأسوأ أن هناك من يسوّل لنفسه العمل على طمس القضايا، لا لشيءٍ سوى "لطلب السترة". إذاً، صمت الضحية مطلوب من أجل "سمعة المجتمع". لا بأس من التضحية بامرأة أو اثنتين أو مليون، المهم أن "سمعة المجتمع" بخير، وأن كل المجتمعات الأخرى تُشير إليه بالبنان. الآن، هناك طريقتان للتعامل مع الموضوع. الأولى أن يستمرّ القمع باسم "سمعة المجتمع" حتى تنفجر الضحايا وتثور عليه. وعشوائية الثورة هنا ستُطيح أكثر مما يعتقده حُماة "المجتمع". الطريقة الثانية أن يبدأ هذا المجتمع بالتصالح مع ذاته، والخروج من التحجّر العقلي المُمَارَس باسم الدين والتقاليد والعادات، والعمل على إنشاء شبكة أمان للنساء.
على مطلق شخص فهم أن المرأة ليست "شيئاً" يمكن تملّكه، والتهديد بمنعها من حق الاختيار في أي شيء، في مختلف سياقات الحرية، بحجّة أنها "أخفّ عقلاً من الرجل"، وفق أدبياتٍ مقيتة. لا يُمكن، وفي هذا العصر، أن نتحدّث عن ضرورة فهم هذه البديهيات المجتمعية. لا يحتاج المرء لبذل الجهد لفهم حقائق بديهية، بل فقط أن يميط اللثام عن وجهه، ويفهم أن النظرة النمطية للنساء ليست صحيحة ولا طبيعية، بل هي عكس كل شيء صحيح.