المؤامرة على الطفل الأردني
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.
شرّع نحو 13 بلدا عربيا قوانين لحماية الطفل، ولم تشهد الضجة التي أثارها القانون المعروض على مجلس النواب في الأردن، وقد يعود ذلك إلى أسبابٍ أولها وجود مساحة نسبية لحرية الرأي في الأردن، وجرأة المجتمع في مهاجمة الحكومة، خصوصا إذا ما تعلق الأمر بالدين والقيم المحافظة للمجتمع. وثانيها، تحالف موضوعي بين الحكومة والمعارضين، كل لأسبابه لإجهاض القانون، ثالثها جو عالمي مشحون تجاه التطرّف "الليبرالي" والهوس في التعامل مع قضايا المثلية وحرية المعتقد، ورابعها، الاستقطاب الخاص بالمجتمعات العربية بين الإسلاميين وخصومهم. والخامس، سوء صياغة القانون بحيث لم تعبّر مواد فيه عن المقصد الذي يسعى إليه المشرع.
من أمثلة سوء الصياغة. البند (أ) من المادة (8) على أن "للطفل الحق في احترام حياته الخاصة، ويُحظر تعريضه لأي تدخل تعسّفي أو إجراء غير قانوني في حياته أو أسرته أو منزله أو مراسلاته، كما يُحظر المساس بشرفه أو سمعته، مع مراعاة حقوق وواجبات والديه أو من يقوم مقامهما وفقا للتشريعات ذات العلاقة". فهذه المادة، بحسب المدافعين عن القانون، تسعى إلى حماية الطفل من التدخل "غير القانوني والمتعسّف من الدولة" ومنع "نشر صور للطفل أو سجلّه الأكاديمي أو الصحّي ونشر كل ما يهينه ويجعله عرضة للتنمّر".
علقت في حسابي علـى "تويتر" على هذه المادة التي تمنح بنصها الظاهر بعيدا عن نيات الكاتب الذي جانبه الذكاء المتحرشين والمعتدين فرصة استغلال الطفل، ومنع ذويه من معرفة ما يتعرّض له، وملاحقة المعتدين. وقد صدرت في الغرب كتب ودراسات تناولت الاستغلال الجنسي للأطفال من خلال منصات التواصل الاجتماعي، وكيف يستغل "المشاهير" رغبة الطفل أو الطفلة في أن يكون مهما أو مشهورا أو معترفا به على الأقل ويحظى بالاهتمام. يشدّد الخبراء الغربيون بالمناسبة على المنع حتى عمر 18 عاما، أو الرقابة التامة قبل ذلك.
في جو الاستقطاب، دخل شبّيح يصف براميل بشار الأسد التي قتلت آلاف الأطفال في سورية بـ"المقدّسة" ليناصر القانون، باعتبار أن من يهاجمونه إسلاميون ومحافظون. وفي نقاشه الصحي يقول نصّا "بعد أن بال عليهم خليفتهم الذي وعدهم بأن يصلي في الجامع الأموي". عارضت القانون "بعد أن تم سحق كل مشاريعهم الداعشية". طبعا هذا المحاور الفذ كان عضوا في اللجنة الملكية لتحديث الحياة السياسية! ولك أن تتخيّل القيمة المضافة للقانون بعد بول الخليفة!
هذه المادة تعدّل صياغتها بشكل ذكي أو تحذف، أما للطفل الحق في "التعبير عن آرائه، سواء بالقول أو الكتابة أو الطباعة أو الفن أو بأي وسيلة أخرى يختارها" فتلك للقانون لا عليه. وإذا لم يمارس حرية التعبير في بيته لن يمارسها في مجتمعه، وهي لا تعني عدم الاحترام والفوضى داخل الأسرة.
قدّمت الحكومة القانون من باب العلاقات العامة الخارجية، وهي في الجوهر تعارضه، نظرا إلى الأعباء المالية المترتبة عليه الحضانات والترفيه والتأمين الصحي وغيرها كلف تنوء بها. فوق ذلك، حذفت أهم مادة فيه، وهو حق الطفل في حمل جنسية أمه. وهذا خطّ أحمر لدى الدولة، لأنه سيتسبب بخلخلة التركيبة الديموغرافية. ولذا وجدت الحكومة حلفاء موضوعيين من إسلاميين ومحافظين وغيرهم بعلم وبدون علم.
بالمناسبة، حضر في كل نقاشات القانون مندوب عن دائرة الإفتاء، ولم يبد اعتراضا على أيٍّ من موادّه. وقد سبق لأردن أن تحفظ في الاتفاقات الدولية على حرية المعتقد والتبنّي. ما شهده الأردن يعكس غياب ثقافة الحوار، والخاسر هو الطفل. ولعلّ أطرف ما أثير هو الاعتراض على حقّ الطفل في الترفيه. وكأنه قرين الفجور !. للأسف تجد في تركيا (بعيدا عن الحساسية من الخليفة!) حديقة أطفال في كل حارة و حي مهما قل عدد سكانه. وهذا يعني عبئا ماليا على الحكومة التي بالكاد تؤمّن المدارس والمستوصفات. .. في المجمل، سيدّعي كثيرون أنهم انتصروا على المؤامرة على الطفل الأردني ومشاريع التوطين والمثليين و"سيداو" بإجهاض القانون. السعيد بذلك سيكون وزير المالية الذي لن يبحث عن مخصّصات لتأسيس حدائق للأطفال ودور حضانة.
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.