العلاقة بأميركا لا تمر بإسرائيل

03 فبراير 2022
+ الخط -

يشهد العالم العربي فراغا سياسيا كبيرا بفعل الأزمات والخلافات التي عصفت به، منذ الربيع العربي وما تلاه من ثورات مضادّة أنهكته وأخرجت دولا أساسية من المعادلة، معطوفا عليها انكفاء أكثرية الدول على وضعها الداخلي ومصالحها الخاصة وزهدها في تبنّي القضايا العربية، ناهيك عن الإسلامية. ففي وقتٍ كانت الأنظمة العربية تتنافس على تبنّي القضية الفلسطينية (جمال عبد الناصر والملك فيصل والملك حسين وصدّام حسين وحافظ الأسد)، قلّ أن تجد اليوم دولةً عربيةً تتفاعل معها وتتبنّاها، بل انخرطت دول عربية بصفقة القرن عمليا من خلال توثيق علاقات اقتصادية وتحالفات أمنية وعسكرية مع إسرائيل، من دون أي تقدّم بالمسار السياسي (مناورات البحر الأحمر، اتفاقيات الغاز والكهرباء والعبور الجوي، برامج بيغاسوس..).

تفسّر تلك الاندفاعة بأن العلاقات مع إسرائيل هي بوابة واشنطن، ولذلك جاءت الاتفاقات الإبراهيمية بمثابة بوليصة تأمينٍ في حال مغادرة ترامب البيت الأبيض، وهذا ما حصل، فعلى الرغم من التورّط الإماراتي في قضية جورج نادر وتوم بارك، وهما قضيتان ظهرت فيهما بوضوح أسماء كبار المسؤولين في الإمارات، سواء لجهة التدخل الروسي أو العمل لصالح حكومة أجنبية للتأثير على سياسات البيت الأبيض من دون الإفصاح. فوق ذلك، التقارب مع الصين إلى درجة السماح بقاعدة عسكرية وسجن سري للإيغور، ومع ذلك، وقفت أميركا بوضوح إلى جانب الإمارات بعد ضربات الحوثي أخيرا.

جاءت زيارة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، إلى واشنطن، أخيرا، لتقدّم مقاربةً أخرى للعلاقات، تقوم على أساس تبنّي حقوق الشعب الفلسطيني بعيدا عن منطق صفقة القرن والعلاقة التحالفية مع إسرائيل، فالدوحة هي التي تستضيف القيادة السياسية لحركة حماس، وتستقبل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وهي لا تقدّم نفسها باعتبارها محور ممانعة، بقدر ما هي بلد ملتزم بالقضية الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية. ومستمرة في مشاريع الإغاثة وإعادة الإعمار في قطاع غزة، وهي تعلم أن ذلك لا بد أن يمر عبر البوابة الإسرائيلية. يعلم الأميركان أن قضية فلسطين هي قضية العرب الأولى شعبيا، وأن مشاريع التطبيع منذ أربعة عقود لا تحظى بشعبية، وأن أي حاكم عربي يتحدّث معهم في القضية الفلسطينية يتحدّث باسم العالم العربي.

يقال "تُسمع رنّة الإبرة" في لحظة الصمت، واليوم عندما يتبنّي موقف رسمي عربي الحقوق الفلسطينية يُسمع جيدا في أميركا تماما كما في العالم العربي. لا توجد عند الأميركان مبادرات سلام، وإن كانوا سعداء بالتطبيع المجاني، لأنه لا يوجد شريك إسرائيلي، وبعد لقاءات أبو مازن وغيره من مسؤولين فلسطينيين مع مسؤولين إسرائيليين، كان الموقف الإسرائيلي حاسما في رفض أيّ عملية سياسية، واللقاءات التي تجري هي لقاءات تنسيق أمني. مع ذلك، ليس من الحكمة إهمال القضية وإبعادها عن الأجندة الأميركية.

ما يريده الأميركان من الزيارة كان واضحا، مصالحهم في موضوع الغاز في ظل الأزمة الأوكرانية وأفغانستان وصفقات الطيران. ولكن مقابل تلك المصالح، بدا واضحا أن قطر ملتزمة بمعايير سوق الغاز وعقودها الدولية، ولن تنزلق في الأزمة الأوكرانية وتخسر ائتلافها مع موسكو في إنتاج الغاز وتصديره وتنظيم تسعيره.

لا تتوقف المصالح عند الغاز، إذ تدرك الإدارة الأميركية الحالية، كما سابقاتها، جدارة قطر بثقة الفرقاء، وهو ما جعل منها منصّة حوار وتفاوض وتأثير، فهي حليف موثوق لأميركا له علاقات جيدة مع خصومها وأعدائها، سواء حركة طالبان أم إيران أم حركة حماس. وقد نجحت قطر في تقديم مقاربة تحظى بشعبيةٍ في الشارع القطري والعربي وباحترام أميركي، وهي أنّ فلسطين بوابةٌ يمكن أن تدخلك البيت الأبيض، وليس محصورا فقط بالبوابة الإسرائيلية. والأميركان لا يقبلون من العرب محاربة إسرائيل، لكنهم لا يلزمونهم بمحاربة الفلسطينيين والتخلّي عن قضيتهم.

83B64D8F-BC3E-45BA-96A2-36C353D769E9
83B64D8F-BC3E-45BA-96A2-36C353D769E9
ياسر أبو هلالة

كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.

ياسر أبو هلالة