الشعب/ الجيش في إسرائيل
أقرّ الكنيست الإسرائيلي، قبل أسبوع، قانوناً ينصّ على تخصيص منحٍ لجنود الجيش الإسرائيلي، الراغبين في استكمال الدراسة الجامعية بعد إنهاء الخدمة العسكرية الإلزامية، تغطّي ثلاثة أرباع الكلفة. وأمكن إقرار هذا القانون، الذي سمي "قانون من البزّة العسكرية إلى الدراسة الجامعية"، بعدما وافق حزب الليكود على اقتراح حلّ وسط قدّمه في اللحظة الأخيرة وزير الدفاع بني غانتس، وسحب معارضته مشروع القانون. وسعى مشروع القانون الائتلافي، في الأصل، إلى تغطية 60% من كلفة الدراسة، ورفض الليكود تقديم دعمه وأصرّ على أنه لا يريد منح الحكومة نصراً برلمانياً، ثم أوضح أنه سيفعل ذلك فقط إذا تم تعديل مشروع القانون ليغطي 100% من الكلفة، وفي آخر لحظة أعلن غانتس أنه مستعدّ للتوصّل إلى حلّ وسط مع الليكود بحيث يغطي مشروع القانون 75% من تكاليف تعليم الجنود، وهو ما جرى الاتفاق عليه.
بعد إقرار هذا القانون، أدلى المسؤولون في الحكومة والمعارضة بتصريحات اتسمت بالإجماع على أنّ هذا القانون يأتي لخدمة المجتمع والشعب في إسرائيل، إلى جانب تصريحاتٍ تؤكّد أنه لا ينبغي للسياسة، أو للمناكفات بين أحزاب الحكومة والمعارضة، أن تلحق الضرر بالجيش الإسرائيلي، ما أعاد إلى الأذهان ما درج أول رئيس للحكومة الإسرائيلية ديفيد بن غوريون على أن يتباهى به، وهو أنّ سرّ قوة إسرائيل، على الرغم من أنها دولة صغيرة، كامن في واقع أنّ "الشعب كله هو جيش" مُعبّأ على الدوام لحمايتها من مخاطرٍ رهيبةٍ تتربّص بها.
ولعله من هنا بات هدف الحفاظ على الجيش في ممارسة معظم الإسرائيليين يعادل، تفكيراً وقيمة، هدف "الحفاظ على الشعب"، كما لو أنّه من دون الجيش لا وجود للشعب، أو حتى للمجتمع المدني.
معروفٌ أنّه، من ناحية قانونية، على كلّ رجل إسرائيلي دون الخمسين من عمره الالتحاق سنوياً بدورة خدمة الاحتياط العسكرية شهراً، وبالاستناد إلى هذه الحقيقة فإنّ يغئال يادين، الذي شغل في السابق منصب رئيس هيئة الأركان العامة للجيش، قال ذات مرّة، ربما ليس فقط على سبيل التفكّه: "إن المدني في إسرائيل هو جندي في إجازة سنوية تدوم أحد عشر شهرًا". ولا شكّ في أنّ من شأن هذا الاستقطار، على مفارقته، أن يحيل إلى عدة شيفرات تعدّ ضرورية لإدراك كنه أبرز ثوابت تفكير المجتمع الإسرائيلي، وفي مقدمها أنّ ضمان وجود هذا المجتمع مرهونٌ بالاعتماد على السيف والقبضة الحديدية فقط، وأن جميع الغايات الاجتماعية العمومية تتقزّم إزاء الغاية المركزية وهي "ضمان البقاء"، وأنه يتعيّن على الجميع أن يكون مُجنداً، وأن يقبل بداهة أي ضحايا بشرية تُقدّم على مذبح حماية الوجود، فضلًا عن تقبل أي أثمـانٍ باهظةٍ في سائر المجالات تترتب على تدعيم الوسائل المطلوبة لهذه الحماية. وتشهد إسرائيل، بين الفينة والأخرى، ما يشبه الكرنفال الدوري في سياق إعادة تقديس هذه الثوابت، وفي طليعتها "ضرورة الجيش لوجود الشعب"، بجوار الحرص على أن يبقى "تعزيز قوة إسرائيل العسكرية" بمنزلة الهدف الأول الذي على الدولة العمل من أجل تحقيقه، سابقًا لهدف تقليص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية.
وعلى سيرة الجيش، تجدر الإشارة إلى أن عدة أبحاث وتقارير ذكرت، في مناسباتٍ كثيرة، أنّه على الرغم من محدودية الأرض وقلّتها في إسرائيل، فإنّ نحو نصف مساحة الدولة يتبع للمؤسسة الأمنية أو أنّه واقع تحت تأثيرها، وتمتد هذه الأراضي في كلّ أنحاء البلد، في المركز وفي الأطراف، في المدن الكبرى والصغرى، في الجبال وشواطئ البحر، وكذلك في المناطق المأهولة والأخرى المفتوحة، وفيها كلّها بنى تحتية ومناطق أمنية. ووفقاً لخبراء بهذا الشأن، فالموارد الجغرافية التي يستطيع الجيش استعمالها واستغلالها والعمل في نطاقها أكثر كثيراً مما يمكن استعماله في المجال المدني، والحديث يدور حول ظاهرة جغرافية ليس لها مثيل في حجمها مقارنة مع الدول الأخرى.