11 نوفمبر 2024
الشبيحة وإسرائيل معاً... و"المركز العربي"
لا يمثل الأنفار التسعة الذين حاولوا التشويش على مؤتمر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في تونس "استراتيجية المقاطعة ضد الاحتلال الإسرائيلي ونظام الأبارتهايد" أنفسَهم فحسب، وإنما يؤشّرون إلى حالةٍ متفشيةٍ عريضةٍ في غير ساحةٍ عربية، من عوارضها أن المصابين بها يرفلون في جهلٍ غزير، فالمؤكد أن أياً من أولئك التسعة الذين تفوّهوا بما يدلّ على بؤس أخلاقيٍّ فيهم لم يطالع أياً من كتب المركز وتقديراته ودورياته، ولا عرف يوماً شيئاً من نتاج المركز وجهوده. ويبعثُ حالهم هذا على بعض الإشفاق عليهم، ثم على وجوب الرد عليهم، أولاً، بتعليمهم ما أمكن من الأخلاق، فالاعتداء على مؤتمرٍ أكاديمي فعلٌ مرذول. وثانياً، بتأكيد انتساب هؤلاء إلى عداء أشواق الشعوب العربية وتطلعاتها نحو التحرّر من كل استبدادٍ وفساد. كيف لا، والمذكورون لا يستحون من الجهر بشغفهم بمعمر القذافي، وبمحبّتهم نظام بشار الأسد.
توضح هذه الحادثة أن مواجهة هؤلاء، في تونس وغيرها، أصبحت شديدة الإلحاح، فلا يحسنُ الاستخفافُ بما يمثّلون، ولا بما يُحدثونه في الجسم الثقافي والاجتماعي العربي من أمراض. ولكن، ليس هذا من وظائف المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وإنما من مهمات أهل الإعلام والناشطين في التشكيلات المدنية والأهلية العربية، ممن يعتنقون الحرية والديمقراطية والعلم والأخلاق قيماً مبدئيةً، وممن ينتصرون للحقّ والحقيقة، ويعملون على إسناد الشعوب التي تنوء تحت احتلال أنظمة القتل والاستبداد، وفي مقدمتها الشعب السوري الذي يعاديه أولئك الصغار، وقد ظنّ تسعةٌ منهم أن سفالتهم ستُثني سبعين باحثاً مستضافين في الحمامات في تونس، من فلسطين وعدة دول عربية وأوروبا وأميركا والهند وماليزيا وإفريقيا، عن طرح إسهاماتهم بشأن وسائل مقاطعة إسرائيل، في مؤتمرٍ غير مسبوقٍ في سعة مباحثه بشأن موضوعه، نظمه المركز العربي من دون اكتراثٍ بشبيحةٍ هنا وجهلةٍ هناك.
ليس مصادفةً أن يتزامن تطاول أولئك التسعة، ومن يشبهونهم، على مؤتمر المركز العربي، مع نشر صحيفة ديلي تلغراف البريطانية ما نقلته عن مسؤولٍ إسرائيلي قوله إن دولة الاحتلال منزعجةٌ من المؤتمر، غير أن الفرق بين الشبيحة المفضوحين، ومعهم أنصارهم في صحيفتي الأخبار البيروتية واليوم السابع القاهرية، وإسرائيل، أن الأخيرة تعرف جيدا أهمية مؤتمرٍ عن مقاطعتها، يجمع نخباً من كل العالم للحديث العلمي عن هذا الأمر، فيما أولئك، ومعهم نظراؤهم في المطبوعتين المذكورتين، باقون على دروشتهم المعلومة، ورطانتهم إيّاها، عن دولة قطر والدكتور عزمي بشارة، فلا يجدون حاجةً في أنفسهم لأيِّ معرفةٍ بما ينجزه المركز العربي، ولا باستقلاليته الأكاديمية والبحثية. ويُشار، هنا، إلى التمييز بين حالتي إسرائيل وهؤلاء، بأسى، وبالطلب من محبي الصواريخ الروسية على حلب، ومن أنصار العمائم الإيرانية في دمشق، ومن المعجبين بعلي عبدالله صالح وعبد الملك الحوثي، أن يتعلموا من إسرائيل، شريكتهم في مناهضة مؤتمر المركز العربي، كيف يتبيّنون ما تحتاجه أفهامهم أن تتبيّنه، فلا يثرثرون فيما لا يعرفون، ولا يُنشئون الحقائق من خيالاتهم وأوهامهم.
يُتحدّث عن هذا الأمر، هنا، واليقين أن إسرائيل إنما تعمد إلى التحريض الذي تحترفه ضد كل من يؤذونها، وقضية مقاطعتها في العالم، والإفادة من تجارب الأمم والشعوب في مقاومة محتليها، في صدارة مشاغلها. وإذ أوضح المركز العربي، مجدّداً، في الردّ على مغالطاتٍ سقطت فيها "ديلي تلغراف"، استقلاليته الأكاديمية، معطوفةً على خياراته بشأن فلسطين، فإن التوضيح الذي يصلح لمن يمثلهم أولئك الزعران الذين اقترفوا ما اقترفوه في قاعة مؤتمر المركز في تونس أن إسرائيل سعيدةٌ بهم، وتغتبط كثيراً بما يصنعون، وهم على عدائهم القراءة والمعرفة، وعلى ولعهم بتدمير حاضرات الشام بصواريخ البلطجة الروسية، وبالبترودولار الإيراني. أما نحن، فنقرأ أبحاث مؤتمر المقاطعة، ونستفيد ونفيد.