الشباب والدولة: هل ثمّة أفق سياسي جدّي في الأردن؟
توشك اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في الأردن على الانتهاء من أعمالها، وتسليم مخرجاتها إلى الملك عبد الله الثاني، بعد قرابة ثلاثة أشهر من تشكيلها لإنجاز مهمة العمل على تقديم مقترحات لتعديل القوانين والنصوص الدستورية الناظمة للعملية السياسية، مثل قانوني الانتخاب والأحزاب والإدارة المحلية، وما يتعلق بتعزيز مشاركة المرأة والشباب في الحياة البرلمانية والحزبية.
بالنسبة للشباب، تمثّل اللجنة الحالية قفزة نوعية، غير مسبوقة، على صعيد الخطاب الرسمي تجاه الاعتراف بضرورة ردم الفجوة بين جيل الشباب ومؤسسات القرار، وفتح الأبواب لهم للولوج إلى اللعبة السياسية، فهي المرّة الأولى التي يتم فيها الانتقال في "خطاب الدولة" نحو الشباب من الاقتصار على المشكلات والتحدّيات الاقتصادية، كما حدث في الأعوام الأخيرة، أو أوقات الفراغ والرياضة، كما كانت الحال سابقاً في الخطاب الرسمي، إلى النصّ بوضوح على أهمية انخراط الشباب في العملين، الحزبي والبرلماني، في رسالة التكليف الملكي إلى رئيس اللجنة (رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي)، وهو تحوّل ملحوظ على صعيد إدراك المؤسسات الرسمية أهمية انخراط الشباب في العملين، السياسي والحزبي.
تضمّن قانون الأحزاب المقترح نصوصاً تحفّز على انضمام الشباب للأحزاب
لم يقتصر الأمر على ذلك، إذ تمّ اختيار مجموعة من الشباب الناشطين في العمل العام أعضاء في اللجنة الملكية، (قرابة 10% من أعضائها)، وتشكّلت لجنة فرعية معنية بتمكين الشباب سياسياً، وضعت تصوّراتها لكيفية إدماج الشباب في الحياة السياسية والحزبية، على مستويين: التشريعات الرئيسية (التعديلات الدستورية، قوانين الانتخاب والأحزاب، وتوصيات متعلقة بالإدارة المحلية). والورقة البيضاء، المعنية بالمقترحات المرتبطة بإزالة العقبات التقليدية أمام انخراط الشباب في العمل العام، من تشريعات وسياسات، والعمل على تحفيز البيئة المناسبة لهذا التحوّل الجديد، بداية من المناهج المدرسية والأنشطة المتعلقة بتطوير معرفة الطلاب بالثقافة المدنية والديمقراطية، مروراً بالجامعات وفتح الباب واسعاً أمام تطوير مهارات الطلاب وقدراتهم والعمل الحزبي والسياسي في الجامعات، وصولاً إلى مرحلة الانخراط في الأحزاب السياسية، والعمل العام للنخبة الشبابية التي ترغب بذلك.
على صعيد التشريعات، قدّمت اللجنة الشبابية توصياتٍ مهمة، لقيت قبولاً مبدئياً من اللجان الأخرى، فعلى صعيد قانون الانتخاب، والتعديلات الدستورية، تمت الموافقة على مقترح تخفيض سن الترشّح إلى 25 عاماً، مع شرط أن تضم القائمة النسبية الوطنية المغلقة شاباً من بين أول خمسة مرشحين، وهنالك مقترحات قيد النقاش تتعلق بالتسهيلات المالية والإدارية لتحفيزهم على المشاركة، والترشّح للانتخابات النيابية والمحلية. كما تضمّن قانون الأحزاب المقترح نصوصاً تحفّز على انضمام الشباب للأحزاب، مثل اشتراط نسبة معينة من الشباب لمؤسّسي الأحزاب السياسية، وربط الدعم الحكومي المالي بنسبة تمثيل الشباب في الهيئات القيادية والقوائم الانتخابية، وتحديد مدة رئاسة الحزب والمكاتب التنفيذية فيه بصورة مؤقتة، لإفساح المجال للأجيال الجديدة للوصول إلى مواقع القيادة، ولتعزيز مبدأ تداول السلطة داخل الأحزاب نفسها.
ما زالت شكوك وهواجس مشروعة لشريحة واسعة من الشباب من الإقدام، على الانخراط الفعلي في الأحزاب السياسية
ويجري التداول بين لجنتي الشباب والتعديلات الدستورية في مقترح إضافة نص دستوري متعلق بدور الشباب في الحياة العامة، وضمانة الدولة تمكينهم وتطوير مهاراتهم وقدراتهم في هذا الشأن. ويهدف النص الجديد إلى "دسترة" دور الشباب في الحياة العامة وترسيخ القناعة الجديدة بأهمية ذلك، من خلال رسالة سياسية ورمزية واضحة أنّ العمل السياسي والحزبي ليس شأناً خطيراً يُمنع اقتراب جيل الشباب منه، كما كانت الحال سابقاً، ولتأكيد جديّة الدولة على إحداث هذه النقلة النوعية في العلاقة مع الشباب، وتصعيد نخبة شبابية في مواقع القرار، وتجذير الحياة الحزبية عبر إدماج الشباب في الأحزاب السياسية.
على الرغم من ذلك كله، ما زالت هنالك شكوك وهواجس مشروعة لشريحة واسعة من الشباب من الإقدام، في اليوم التالي لمخرجات اللجنة الملكية، على الانخراط الفعلي في الأحزاب السياسية، أو تأسيس أحزاب برامجية معنية بهموم الشباب وقضاياهم. ومصدر هذا التردد المتوقع الثقافة التقليدية السائدة التي تحذّر من مغبّات العمل الحزبي والخشية من عواقب ذلك على الصعيدين، الشخصي والمهني، للشباب، ولوجود مخاوف من أن تتراجع الدولة عن "الخطة الجديدة"، أو عدم جدّية مؤسسات الدولة أو توافقها على هذا الانتقال النوعي.
المرحلة التالية للجنة الملكية ستشكل الاختبار الحقيقي لمدى قدرة الشباب على تشكيل الفرق في الحياة السياسية
النتيجة التي تسعى إليها مخرجات لجنة التحديث الملكي (المرتبطة برسالة ملكية واضحة تتضمن الانتقال التدريجي إلى برلمان حزبي برامجي، وحكومات أغلبية برلمانية، في إطار زمني يقارب 11 عاماً) تقوم على فرضية رئيسية، فحواها تحوّل المشهد الحزبي خلال ثلاثة أعوام (إلى حين الانتخابات النيابية في 2024)، لتكون الأحزاب قادرةً على تمثيل قوى وشرائح اجتماعية واسعة، والإفادة بصورة أفضل من القائمة النسبية الوطنية المغلقة (قد تصل إلى 41 مقعداً، قرابة 30% من مقاعد مجلس النواب في القانون المقترح الذي سيتضمّن نصاً يؤكد على التدرّج في توسيع المقاعد الحزبية، لتصل بعد دورتين إلى ما يقارب 65% - 70% من مقاعد مجلس النواب، بمعنى تدرّج مرحلي في إطار زمني، وصولاً إلى برلمانات تتشكل فيها الكتل النيابية على أسسٍ حزبية).
المفارقة في أنّ المرحلة التالية للجنة الملكية ستشكل الاختبار الحقيقي لمدى قدرة الشباب على تشكيل الفرق في الحياة السياسية من خلال تغيير واقع الأحزاب السياسية، وفي تكسير تلك الصورة النمطية عن الشباب وأهليتهم السياسية من جهة، والحالة الحزبية من جهةٍ ثانية. لذلك يرى المسؤولون (في مطبخ القرار) أنّ الأعوام الثلاثة المقبلة ستشكل التحدي الحقيقي والاختبار الرئيس لمدى نجاح خطّة الانتقال بالدولة وبالعمل السياسي والحزبي من الطريقة التقليدية الراهنة إلى أسس جديدة، تقوم على البرامج الحزبية والسياسية، ما يعيد هيكلة عملية تشكيل الحكومات والبرلمانات، ويجسّر الفجوة المتراكمة بين الشارع ومؤسسات الدولة.
هل فعلاً يستطيع الشباب المساهمة الفاعلة بهذا التحول الكبير؟ الجواب نعم بالتأكيد، لكنّ ذلك مشروطٌ بتقديم الدولة رسائل واضحة وصريحة وبناء خريطة طريق تدفع، جميعاً، باتجاه واحد، وهو الانتقال المطلوب، وألا يكون هنالك تراخٍ أو رسائل متضاربة من مؤسسات الدولة المختلفة، لأنّ ذلك سيعني لجيل الشباب أنّ الطريق ما زال مسدودا أمام الانخراط الفعلي في العمل السياسي والحزبي.