السويس كما غزّة مدينة إرهابية

25 أكتوبر 2023
+ الخط -

ما الذي تفعله المقاومة الفلسطينية للاحتلال الصهيوني في غزّة أكثر مما فعلته مقاومة الاستعمار الفرنسي في الجزائر والاستعمار الإيطالي في ليبيا والاستعمار البريطاني في مصر في القرن الماضي؟. بل ماذا فعلت المجموعات والحركات الفلسطينية المقاومة أكثر مما تتغنّى به أوروبا من بطولات البارتيزان (حركات المقاومة التي حاربت ضد الغزو النازي والفاشي لأوروبا)، وهي الأعمال التي يحتفل بها الأوروبيون في كلّ العواصم التي تصدّت للنازي؟.

عربيًا، هل تجد فرقًا بين بطولات الشعب المصري في مدينة السويس المقاومة للاحتلال الصهيوني في العام 1973 وبسالة الشعب الفلسطيني في غزّة 2023؟.

كان المصريون يحاربون احتلالًا عسكريًا، وكذلك يفعل الفلسطينيون الآن، غير أنه في العام 1973 لم يكن المجال العام قد تلوّث بعوادم قطعان من المتصهينين العرب، فلم نسمع أو نقرأ إداناتٍ للهجمات والعمليات الفدائية التي قام بها مقاومو السويس. أمّا الآن فتكاد الانبعاثات الصادرة من المتصهينين، حكّامًا ومحكومين، تحاول تدمير طبقات الوعي السليم والإحساس الفطري لدى الجماهير، فلا تخجل من وصم العمل الوطني المقاوم بالإرهاب، ووصف العدوّ المحتل للأرض بالضحية.

تخيّل لو أنّ بطولات المقاومة في السويس وقعت في هذا الشهر أكتوبر/ تشرين أول 2023، فماذا كان من الممكن أن يقال بحقّ السويس؟.

مؤكّد أنّ المدينة كلها كانت ستصنّف كيانًا إرهابيًا، كما سيدمغ شعبها كلّه بالإرهاب، وسيأتي قادة أميركا وفرنسا وانجلترا إلى فلسطين المحتلة معلنين دعمهم الكيان الصهيوني بالعتاد والمال، ولكانت الميديا الغربية في معظمها تتحدّث عن بسالة الشعب المصري في المقاومة من أجل تحرير أرضه باعتبارها فظائع مروّعة ضد المدنيين المساكين.

بل إنّك، ومن أسفٍ، كنت ستسمع من بعض حكّام العرب، وهم يساوون بين الطرفين، صاحب الحقّ في الأرض والكفاح لتحريرها، والمعتدي على الأرض والشعب والحق في التحرّر، ويذرفون الدمع على القتلى في صفوف الغزاة المحتلّين، بالتساوي مع دموعهم على شهدائنا من الأطفال والنساء والشيوخ الذين يواجهون حربًا عالمية، بكلّ معنى الكلمة، ضد غزّة وفلسطين.

أقصى ما يمكن أن يتحدّث به حاكم عربي الآن أن يطالب بالمساواة بين دم الشقيق ودم قاتل الشقيق، أو يتسوّل من العالم المتواطئ والمشارك في الجريمة ضغطًا على الصهيوني، لكي يسمح بمرور مساعداتٍ إنسانيةٍ إلى الشعب الذي يتعرّض للإبادة في غزّة، أو يعلن، في خطبة رنّانة، أنّ ما يجري لا يُرضي أحدًا، ثم يجد من يصفّق له ويعتبره بطلًا يتصدّى للغطرسة الصهيونية المدعومة أوروبيًا وأميركيًا.

ما يصدُر من جلّ الحكام العرب يطرح سؤالًا حقيقيًا:  هل قرأ واحدٌ منهم كتابًا واحدًا عن تاريخ الصراع في المنطقة؟ هل يعرف أحدُهم حكاية فلسطين الحقيقية، وكيف بدأت المؤامرة عليها واكتملت مأساتها؟.

أزعم إنهم لو كانوا قد قرأوا ووعوا لما بلغ إنفاقهم على تسليح فرق كرة القدم الأوروبية بالنجوم عشرات بل مئات أضعاف دعمهم الخجول للشعب الفلسطيني في غزّة، ذلك الدعم الذي لا يفكّرون فيه إلا بعد أن يكون العدو الصهيوني قد أنجز مهمّته في تحويل مدينة الصمود والمقاومة إلى خرائب وتلال من الرماد المحترق بأجساد أبنائها.

أتذكر أنه في يوم 23  نوفمبر/ تشرين ثاني 2009، وفي أثناء عدوان صهيوني على غزّة، وجّه أحد رموز المقاومة في مدينة السويس إبّان معركة كسر حصارها عام 1973، الشيخ حافظ سلامة، هذا النداء: "إلى ملوك ورؤساء دول الجوار لأرض فلسطين المغتصبة وأرض العروبة والإسلام التي ائتمنتم على حراستها والمحافظة عليها: إن إسرائيل لم يكن لها وجود على بقعة من بقاع الأرض إنما ولدت عام 1948 بالتواطؤ مع من كان يحكم بلاد الجوار، وأصبحت وكأنها هي المالكة وغيرها معتدى عليها وسمي أبناؤها بالمواطنين وأهل البلاد باللاجئين".

ولخّص قائد المقاومة الذي رحل قبل عامين الهدف من ندائه "من هنا أقولها خالصة لله أتركوا شباب الأمة ليعملوا على تحرير أراضينا المغتصبة، لأن الشباب بإيمانه بقضية وطنه سيعمل جاهدا لاسترداد حقوقه المغتصبة ولن يفلّ الحديد إلا الحديد وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة. يا قوم أفيقوا يرحمكم الله قبل أن يأتي الطوفان عليكم". وقّع الرجل نداءه الذي لم تجرؤ الصحافة المصرية على نشره باسمه: حافظ سلامة قائد المقاومة الشعبية في مدينة السويس.

ماذا لو كان الشيخ المقاوم بيننا الآن يشاهد إدانات رسمية عربية لمبدأ المقاومة، ويختزل قضية فلسطين إلى مجرّد مشكلة إنسانية، ويشاهد على شاشاتٍ عربية معلقين صهاينة يصفعوننا ويتهموننا بالإرهاب... ثم ماذا لو أطلق نداءً مماثلًا في وجه "القادة"؟.

أغلب الظن أنّه كان سيواجه احتمالين، لا ثالث لهما: إمّا اتهامه بالإرهاب، ومن ثمّ وضعه في السجن، أو تشخيص حالته بالجنون وإيداعه مستشفى الأمراض العقلية.

وائل قنديل (العربي الجديد)
وائل قنديل
كاتب صحافي مصري من أسرة "العربي الجديد" عروبي الهوية يؤمن بأنّ فلسطين قضية القضايا وأنّ الربيع العربي كان ولا يزال وسيبقى أروع ما أنجزته شعوب الأمة