19 نوفمبر 2024
الرئيس سيف الإسلام القذافي
شحيحةٌ إلى حدٍّ متعبٍ لنا، نحن أصحاب التعاليق في الصحافة، الأخبارُ غير المتعلقة بفيروس كورونا وأعداد المصابين به وضحاياه. ثمّة مكابدةٌ (أو مجاهدةٌ؟) في العثور على أي خبرٍ من أي نوع، في غير شأن الفيروس البغيض وما أحدثه في الدنيا. وفي أثناء بحثٍ مضنٍ عن هذا الخبر، يُسعفنا سيف الإسلام القذافي، ولا يذكّرنا بوجوده فقط، بل أيضاً بتدبيرٍ روسيٍّ يجري من أجل أن يصبح رئيساً لليبيا. وبذلك، لا يمدّنا هذا الرجل بخبرٍ يخرُج عن خرائط كورونا في الأرض، وإنما أيضاً بمقدارٍ من الفكاهة، وشيءٍ من العبث الذي يقترب مما يجول في أخيلة أهل مسرح اللامعقول. ولولا أن مصدر الخبر وكالةُ أنباء أميركية، موصوفةٌ بالموثوقية، ولولا أنها حبكتْه بما يجيز القول بصحّته، لصار من الأصلح اعتباره نكتةً أريد منها التسرية عن نفوسنا، ونحن في أجواء الحذر والحصار التي تسبّب بها كورونا. وبذلك يصير الأنسب هو الانشغال بتأمين خروج العميل اللبناني العتيد لإسرائيل، الأميركي الجنسية، عامر الفاخوري، بمروحيةٍ من بيروت إلى قبرص، قبل أن يصل إلى الولايات المتحدة التي سيشكر رئيسُها، ترامب، الحكومة اللبنانية لهذا التعاون. ولكنك تقرأ أن الاستعجال في هذه العملية كان استباقاً قبل الإجراءات المشدّدة الاحترازية من كورونا. أما إذا انصرف واحدُنا إلى حكاية الحكومة الإسرائيلية قيد التشكيل، فسيُصادف أن نتنياهو يحتمي بفيروس كورونا بغرض إقناع غريمِه غانتس، لتكوين حكومة وحدةٍ وطنية، يتناوبان على رئاستها، لمواجهة الوباء.
وفيما حالُك هذا، ليس في مكنتك أن تفلت من خبرٍ لا تلحظ فيه كورونا، تعود إلى سيف الإسلام القذافي، وكان الجميع غافلاً عنه، وعن الإجابة عن سؤالٍ منسيٍّ بشأن المكان الذي يمكث فيه، وقد ذاع، في يونيو/ حزيران 2017، أنه أخلي سبيلُه في الزنتان، بعد حبسِه فيها ست سنوات، على ما قالت، في حينه، كتيبة أبو بكر الصديق التي انضمّت لاحقاً إلى مليشيات الماريشال المتمرّد، خليفة حفتر. ولم تأت تالياً أخبارٌ على سيف الإسلام، ولا اكترثت صحافةٌ بمكانه الراهن، وإنْ يُرجّح أنه ما زال في الزنتان (بالمناسبة، ما أخبار شقيقه هنيبعل الذي سُجن في بيروت، وتمت تبرئته من تهمٍ رُمي بها؟). ولكن تقليباً في بعض الأرشيف سيفيد بأن وكالة إعلام روسية نقلت، في ديسمبر/ كانون الأول 2018، عن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، قوله إن سيف الإسلام ينبغي أن يلعب دوراً في المشهد السياسي الليبي. وعلى ذمّة الوكالة، تواصلُ هذا الرجل مستمرٌ مع موسكو، وقد بعث إليها رسالةً (بواسطة موفد منه!)، تتضمّن أفكاراً لمستقبل ليبيا. ثم جاءت الأخبار على سعيٍ منه إلى الترشّح في انتخاباتٍ رئاسية كان حديثٌ يشيع، في خواتيم 2018، أنها قد تنتظم في العام الذي يليه، مع انتخاباتٍ تشريعيةٍ، ضمن تدابير أخرى، بعد انعقاد مؤتمر وطني جامع، كان مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، المستقيل أخيراً، غسان سلامة، يرتب لانعقاده في غدامس، قبل أن يبدأ خليفة حفتر حملة "الفتح المبين" العسكرية على العاصمة طرابلس في إبريل/ نيسان 2019، فتنعطف ليبيا إلى طورها الراهن الأشد تذرّراً، والذي لولاه، فيما يبدو، لصرنا نطالع أخباراً أخرى عن تحرّكاتٍ لسيف الإسلام يحضر فيها رقماً سياسياً في البلاد، وهو الذي تُخبرنا "بلومبيرغ" في خبرها، أول من أمس، بأنه أبلغ عميليْن من شركة فاغنر الروسية بأن لديه وثائق كثيرة عن تمويل والده حملات انتخابية لقادةٍ في دول غربية، وأن هذه ورقة ضغط تنفع موسكو. وأخبرهما بأن 80% من العسكريين مع حفتر مناصرون له، وأنه مستعدٌ لتقديم قائمة بأسماء قيادات بارزة منهم لموسكو، سينضمّون إليه إذا ما أمكن لحفتر دخول طرابلس. وحسب الوكالة، ألقت حكومة الوفاق في طرابلس القبض على العميلين الروسيين، وأبلغاها بهذا الكلام المثير، وبأنهما اجتمعا ثلاث مرات، مع الشاب الذي كان في منزلة ولي عهد ليبيا في العقدين الأخيْرين من حكم والده، وشارك في أحد الاجتماعات مستشارٌ روسي في شؤون الانتخابات..
بعيداً عن كوميديا العبث الظاهرة في الأقصوصة هاته، ثمّة سؤال فيه أرطال من الوجاهة: ما الذي يمنع الرئيس بوتين من طرح ورقة سيف الإسلام القذافي رئيساً لليبيا، في منعطفٍ ربما يطرأ لاحقاً، إذا ما استجدّت تفاصيل ميدانية وسياسية ليست في الحسبان؟
بعيداً عن كوميديا العبث الظاهرة في الأقصوصة هاته، ثمّة سؤال فيه أرطال من الوجاهة: ما الذي يمنع الرئيس بوتين من طرح ورقة سيف الإسلام القذافي رئيساً لليبيا، في منعطفٍ ربما يطرأ لاحقاً، إذا ما استجدّت تفاصيل ميدانية وسياسية ليست في الحسبان؟