الدحيح وحكاية الأرض

20 نوفمبر 2023

أحمد الغندور (الدحيح) في صفحته في "فيسبوك"

+ الخط -

 حقّقت الحلقة التي بُثت أخيراً من البرنامج الشهير "الدحيح" للمبدع أحمد الغندور، تسعة ملايين مشاهدة حتى تاريخه، ما دفع فريق البرنامج الأكثر شعبية، في استجابة لمطالب متابعين عديدين، إلى ترجمة الحلقة التي حملت عنوان "فلسطين... حكاية الأرض" إلى اللغه الإنكليزية، تعميماً للمعرفة والفائدة في مساهمة قيّمة ذات أثر كبير في سرد الحكاية الحقيقية على مسمع للعالم الغافل المضلّل، بل والمتواطئ هذه المرّة. 
تسرد الحلقة حكايةَ أصحاب الأرض والحقّ ممن تعرّضوا ويتعرّضون لأكبر عملية احتيال عرفها التاريخ، جرى فيها سلب الأرض وقتل أهلها وتشريدهم وتهجيرهم، وسجن أحرارها الرافضين الذل والهوان، المطالبين بحقّهم المشروع في التحرّر من نير استعمار استيطاني عنصري فاشي جائر، عمد إلى تزوير التاريخ وطمس الحقائق وابتزاز الغرب من خلال تقمّص دور الضحية المسكينة، المغلوب على أمرها، ومواصلة العدوان الآثم على المدنيين، بحجّة الدفاع عن النفس، الحجة المفضوحة بشكل سافر لأصحاب الضمائر الحيّة من أحرار العالم المنحازين لقضية الشعب الفلسطيني العادلة. 
بأسلوبه المعتاد المحبّب إلى ملايين المتابعين، والذي لا يخلو من رشاقة وتشويق وبساطة، مدعّماً بالمصادر الموثقة، عرض الغندور تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، مفتتحاً الحلقة بسرد قصة قرية صيادين فلسطينية صغيرة على الساحل الفلسطيني، كانت تُسمى قبل الاحتلال الطنطورة، حيث استولى جيش الصهاينة بعد أسبوع من تأسيس الكيان المجرم على القرية الصغيرة الوادعة، إثر اقترافه مجزرة وحشية، ذهب ضحيتها كل رجال القرية الذين أُعدِموا رمياً بالرصاص، ودُفنوا في مقابر جماعية، معتمداً في سرد الحكاية المرعبة على فيلم وثائقي إسرائيلي، ظهر فيه بعض القتلة وهم يعترفون بكل فخر بفعلتهم الشنعاء. وفي سؤال لكهل صهيوني، كان ضمن القتلة، إذا كان يتذكّر عدد من قتلهم آنذاك، قال ضاحكاً بكل صلافة: لا أذكر تماماً، ظللت أطلق الرصاص عليهم حتى نفدت ذخيرتي. 
فضح الدحيح قصة إسرائيل المزوّرة المستندة إلى خرافاتٍ توراتيةٍ احتلت خيال الغرب بحسب تعبيره، وسرد خفايا (وملابسات) الهجرات اليهودية المتتالية إلى فلسطين في فترة الحكم العثماني، ودور بريطانيا المشبوه في السطو المسلح على أرض فلسطين وتأسيس الكيان المغتصب، وشرح بالتفصيل نشأة فكرة الصهيونية المعادية من حيث المبدأ للآخر، وذلك كله في حلقة ثرية زاخرة بالمعلومات التاريخية الموثقة.
ورغم الجهد الكبير والملموس الذي بذله فريق الإعداد في كشف الحقائق بأسلوب علمي مجرّد من العواطف، وكالعادة، لم يسلم الدحيح من الانتقاد والهجوم من بعض اللادينيين العرب، الذين يرفضون عروبتهم ويتنصّلون منها كما لو كانت تهمة، بل إنهم يشيرون إلينا بمصطلح "الشعوب الناطقة بالعربية!". وقد لمس متابعوهم هواهم الإسرائيلي وموالاتهم التي يجاهرون بها لإسرائيل، ولا يخجلون من التطبيل لها، ومن تبنّي خطابها الكاذب الملفّق ومن التطبيل لها، وتأييد جرائمها الوحشية المرتكبة بحقّ أهل غزة، ومن المساواة بين القاتل والضحية، في تجاهل فاحش للحقيقة الجلية الساطعة مثل شمس يوم قائظ الحرارة، فقال أحدهم إن الدحيح كان منحازاً ولم يأتِ على ذكر "جرائم" عز الدين القسام!!
وعلى صعيد آخر، واجه الدحيح، في ما سبق، تهماً بالإلحاد والتطبيع، من متشدّدين وجدوا في محتواه العلمي ما يهدّد قناعاتهم الفكرية. وهكذا انطبق على الغندور المثل "لا مع سيدي بخير ولا مع ستي بخير". ورغم تلك الاتهامات الملقاة جزافاً، برنامج الدحيح مستمرٌّ في تأدية رسالته التثقيفية التوعوية، والموجّهة إلى جيل الشباب على وجه الخصوص. وقد تألّق كما لم يفعل من قبل في حلقة "فلسطين حكاية أرض" التي أسهمت كثيراً في توعية الشباب بتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، كي تتضح الصورة بشموليتها وأبعادها التاريخية. 
تحيّة إلى أحمد الغندور، دحيحنا المثابر وفريقه البارع، حين يبدّد أكاذيب الاحتلال بالدليل والحجّة والمنطق، وينحاز بكل شرف إلى قضايا أمته وأوجاعها الكثيرة! 

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.