الحلم بعراقٍ مختلف

11 يناير 2023
+ الخط -

نستطيع، نحن العراقيين، أن نمارس الحقّ في الحلم، ومع أن هذا الحقّ لم يظهر في اللائحة العالمية لحقوق الإنسان التي أقرّتها الأمم المتحدة، إلا أنه يظلّ الحق الإنساني الوحيد الذي لا يمكن لأية قوة غاشمة أن تسلبه منا. دعونا، إذن، نحلم بعراق ديمقراطي متصالح ومزدهر، هل حلم كهذا ممكنٌ حقا، أم علينا أن نكفّ عن الحلم، لأننا لم نر، على مدى عشرين عاما، ما يشير إلى أن ضوءا قد ينبثق في آخر النفق في أية لحظة، وأن أحدا قد يظهر فجأة كي يعلق الجرس؟

صحيحٌ أننا نمرّ بأوقات صعبة، ويشعر بعضُنا أن بلدهم قادم إلى ما هو أسوأ، وأن الأوضاع قد تصبح أكثر توترا وإيلاما إلى درجة أن مستقبلهم لم يعد قيد إرادتهم، إذ تم التواطؤ من الطغمة الحاكمة على سلبهم كل شيء، حرّيتهم وقرارهم وحقوقهم وثروتهم ووطنهم. ويعتقد بعضنا أيضا أن أفضل ما في حياتهم قد أصبح وراءهم، وهو شعورٌ مريض، الإقرار به يعني مزيدا من الحزن، ومزيدا من الخراب، ومزيدا من المرارة.

ولذلك علينا أن نتشبث بالحلم، خصوصا ونحن ندرك أن بداية عام جديد هي مناسبة لإطلاق الأحلام ورعايتها، والعمل الجاد لكي تصبح حقيقة أو، على الأقل، كي توفّر لنا القناعة أن كل شيء ممكن، وأن لا مستحيل أمامنا، والحلم وحده هو الذي يجعلنا نواصل البحث عن معنى لحياتنا، وأن نحلُم بعراق مختلف عن السائد، عراق بدون قمع، وبدون بؤس، وبدون نهب، بحكومة ديمقراطية منتخبة في انتخابات نزيهة وشفافة، وفي ظل دستور جديد تعدّه نخبة رجال قانون وحقوق، وقوانين تدير حركة الدولة بشفافية وعدل.

الأهم أن نعترف بأن سعينا إلى التغيير طيلة السنوات العشرين العجاف سار في طريق متعرّج، تحيط به الشكوك والأوهام، والمناكفة وحدها ليست مجدية. ومواجهة هذه الحقيقة ضرورة للبدء بعملٍ يرتكز على حلم، وأن يتحوّل هذا الحلم إلى التزام، إلى مشروع نكرّس له جهودنا ونضالاتنا، أن نضع تصميما لعراقٍ جديدٍ يتجاوز مصالحنا الأنانية ومساوماتنا العقيمة التي تمنع حل مشكلاتنا الأساسية، وتخدّر قدرتنا على التقدّم. وقبولنا حلم "عراقٍ مختلف" يعني مشاركتنا في إنشائه، وإيماننا بحقنا في التصرّف مواطنين أحرار في بلدٍ نريده أن يكون حرّا، بشرا فاعلين ومنشئين للتغييرات التي نراها ضروريةً في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والمجتمع، وأن ندافع بحزم عن حقّنا في التغيير، عن حقّنا في بلدٍ يضمن حقوق الجميع، ويحتفي بالتنوع كثروة، أن تقوم فيه السلطة والسياسة على قيم الحرية والحقوق والواجبات والعدالة، وأن نروّض أنفسنا على البقاء صامدين، كي لا نكفّ عن الحلم المقترن بالأمل. و"نحن، على حد ما قاله مرّة الروائي الفرنسي، أناتول فرانس، "لا نستطيع أن نعطي بقدر ما يعطينا الحلم القدرة على العطاء".

هل لنا أن نحلم بدولةٍ عراقية توقف الهدر في المال العام، وتقتصّ من السرّاق والفاسدين، دولة لا تكون ضحية للعبة جيوسياسية يديرها لصوصٌ وأفّاقون وأمراء طوائف وزعماء مافيات؟

وهكذا لنجعل الحلم عنصرا جوهريا وضروريا في حياتنا، ولنحلُم بدولةٍ توفر لأبنائنا تعليما عصريا، وتربّي عندهم قيم المحبة والخير والعطاء، دولةٍ توفّر الدواء للمرضى، والعناية الطبية الكافية لهم، دولةٍ توفر العيش الرغيد للجميع من دون منّة، دولةٍ توفّر فرصة عمل لكل مواطن، دولةٍ تنمّي الإحساس بالمسؤولية والعدالة، دولةٍ تضمن الأمن والأمان والراحة للجميع، دولةٍ تعترف بالتنوّع والشمول، وتحترم الحرّيات والحقوق الاجتماعية والتعايش الديمقراطي، دولة تضع مواردها في خدمة مواطنيها لرفع نوعية حياتهم وتحسين شروطها وفق خططٍ علميةٍ طموحةٍ وشفافة، دولةٍ تعطي اهتماما استثنائيا للشباب، باعتبارهم طاقة هائلة لا بد من إشراكها في صنع مستقبل حياتهم، دولةٍ توقف الهدر في المال العام، وتقتصّ من السرّاق والفاسدين، دولة لا تكون ضحية للعبة جيوسياسية يديرها لصوصٌ وأفّاقون وأمراء طوائف وزعماء مافيات. واذا كانت كذلك كما حالها اليوم، فإنها تفقد هويتها دولةً وتتحوّل إلى عصبة طائفية أو قبلية تدمر كل ما هو إنساني وخير.

ولكي لا ينالنا الإنهاك والتفكك والانهيار البطيء، دعونا نحلم بعراق مختلف، موحّد، ملتزم، منتج، حضاري، منفتح على قيم العصر. وحتى لو كان هذا الحلم صعبا وعسيرا، أو قل مستحيلا، فإن الحياة ستكون جميلة، عندما نعيشها لأجل حلم صعبٍ وعسير، وما أقسى الحياة عندما نعيشها بلا أحلام؟

583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"